وأما قوله في حديث أبي طلحة وسهل بن حنيف "إلا رقماً في ثوب" فهذا استثناء من الصور المانعة من دخول الملائكة لا من التصاوير، وذلك واضح من سياق الحديث، والمراد بذلك إذا كان الرقم في ثوب ونحوه يبسط ويمتهن، ومثله الوسادة الممتهنة كما يدل عليه حديث عائشة المتقدم في قطعها الستر وجعله وسادة أو وسادتين. وحديث أبي هريرة وقول جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم فمرْ برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة ومُرْ بالستر فليقطع فليجعل منه وسادتين منبوذتان توطآن، ففعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا يجوز حمل الاستثناء على الصورة في الثوب المعلق أو المنصوب على باب أو جدار أو نحو ذلك، لأن أحاديث عائشة صريحة في منع مثل هذا الستر ووجوب إزالته أو هتكه كما تقدم بألفاظها.
وحديث أبي هريرة صريح في أن مثل هذا الستر مانع من دخول الملائكة حتى يبسط أو يقطع رأس التمثال الذي فيه فيكون كهيئة الشجرة، وأحاديثه عليه الصلاة والسلام لا تتناقض بل يصدق بعضها بعضا. ومهما أمكن الجمع بينها بوجه مناسب ليس فيه تعسف وجب وقدم على مسلكي الترجيح والنسخ كما هو مقرر في علم الأصول ومصطلح الحديث وقد أمكن الجمع بينها هنا بما ذكرناه فلله الحمد.
وقد رجح الحافظ في الفتح الجمع بين الأحاديث بما ذكره آنفاً وقال:"قال الخطابي: والصورة التي لا تدخل الملائكة البيت الذي هي فيه ما يحرم اقتناؤه، وهو ما يكون من الصور التي فيها الروح مما لم يقطع رأسه أو لم يمتهن". اهـ.
وقال الخطابي أيضا رحمه الله تعالى:"إنما عظمت عقوبة المصور لأن الصور كانت تعبد من دون الله، ولأن النظر إليها يفتن وبعض النفوس إليها تميل". اهـ.
وقال النووي رحمه الله في شرح مسلم:(باب تحريم تصوير صورة الحيوان وتحريم اتخاذ ما فيه صورة غير ممتهنة بالفرش ونحوه، وإن الملائكة عليهم السلام لا يدخلون بيتاً فيه صورة أو كلب) .