وسرّ ذلك الإخفاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم من فرط حيائه، ووفرة أدبه خشي أن ينتهز المنافقون وضعفاء الإيمان هذه الفرصة، ويرجعوا في المدينة، ويقولوا: إن محمداً ينهى أن يتزوج الإنسان مطلقة ابنه وقد تزوج هو زينب زوجة ابنه زيد متبناه بعد أن أمره بطلاقها، فخشية الرسول صلى الله عليه وسلم كلام الناس جعلته يتمهل في الأمر، ويخفي الحقيقة عن زيد عبده ومتبناه، فعاتبه الله تعالى على تريثه في الأمر، وإخفاء حقيقته عن زيد بن حارثة، وعد م السماح له بطلاق زوجه زينب، فكأنّ الله تعالى يقول له: كيف تقول لزيد حينما كان يشكو إليك زوجته {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ} مع أنك قد علمت بالوحي من قبل الله عز وجل أن زيداً يطلقها وتتزوجها أنت بعد انقضاء عدتها منه، فكان ينبغي لك أن تمضي في الأمر من أول وهلة، وتصارح زيداً بالحقيقة، وتبادر بتنفيذ أمر الله تعالى وتقرير شرعه، ولا تخشى إلا الله تعالى ثم راده الله تعالى بياناً بقوله جل وعلاه {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً} أي حاجة وأرباً بالزواج، ولم يبق له هوى فيها، ولا ميل إليها، ولم يجد بداً من طلاقها طلقها راضياً مختاراً، غير عالم بما أعلم الله به نبيه صلى الله عليه وسلم فلما طلقها زيد، وانقضت عدتها منه تزوجها صلى الله عليه وسلم لإبطال هذه العادة المرذولة المتأصلة في نفوس العرب، وهي اعتقاد حرمة التزوج بنساء من تبنوهم كحرمة التزوج بنساء أبنائهم من الأصلاب.