ومن الثابت لدى علماء التربية أن الطالب يتأثر بسلوك مدرسه وأعماله وتصرفاته أكثر من تأثره بما يلقيه عليه من نصائح ومواعظ، ولهذا ولأشياء أخرى كثيرة غير هذا، كان عليه أن يكون قدوة صالحة في أعماله وتصرفاته وسلوكه وأقواله قبل أن يتقدم إلى الطلاب بمواعظه ونصائحه.
وعليه أن يثبت في قلوب طلابه عقيدة صافيه عميقة، وأن يغرس في نفوسهم أخلاقاً كريمة حميدة مبنية على تلك العقيدة منبعثة منها، فتشيع في نفوسهم الأمن والطمأنينة والراحة التي ينعم بها المؤمنون، وتلقى عنهم القلق والشك والحيرة التي يشقى بها الملحدون الضالون.
ولن أستطيع في مثل هذا الموقف أن أعدد الصفات الحميدة والأخلاق الكريمة التي ينبغي أن تكون في المدرس الناجح، ولكن أقربها صلة إلى عمله، وأوثقها ارتباطاً بوظيفته، وأبعدها أثراً في نجاحه_ أن يكون عادلاً في معاملته لطلابه، فلا يقبل على بعض ويعرض عن بعض، ولا يعامل طالباً بعطف ولطف وطالباً آخر بجفاء وفظاظة، ولا يختص بأسئلته ومناقشاته الأقوياء، دون أن يعنى بالمتوسطين والضعفاء.
أن يكون عادلاً في أسئلة الامتحانات، فلا يكون فيها تعسف ولا إعنات، وأن تكون في مستوى ما كان يعلمه لطلابه، ومن الظلم أن يكون المدرس مترفقاً سهلاً في تدريسه، يمرّ بمسائل العلم مرّاً ليّناً ليس فيه تعمق ولا سعة، حتى إذا جاء الامتحان كانت الأسئلة عميقة دقيقة كثيرة الثنايا والعقبات، على مستوى لم يعرفه طلابه في دروسه، ولم يدربهم عليه من قبل.
وأن يكون عادلاً في تصحيح الإجابات، فلا يخشى مجد أن يضيع له حق، ولا يطمع كسول أن يأخذ أكثر مما يستحق.
وأن يكون متواضعاً ليّن الجانب، بعيداً عن العجب والكبر والمخيلة، لا يتهيب الطلاب أن يسألوه كلما غامت عليهم مسألة، ولا يجدون في أنفسهم حرجاً أن يستعينوا به كلما عرضت لهم مشكلة.