أما المدرس الذي يقضي حصته كلها يتكلم ويشرح، والطلاب سامعون ينظرون، لا يسألهم عن شيء، ولا يسألونه عن شيء، مثل هذا المدرس قد نسميه خطيباً مفوّهاً، وقد نسميه متحدثاً فصيحاً، ولكننا لا نستطيع بأية حال أن نسميه مدرساً ناجحاً، فنجاح المدرس لا يقاس بمقدار ما يشرح ويتحدث، ولكن بمقدار ما يفهم الطلاب من درسه، وبمقدار ما يشاركونه في ذلك الدرس.
الطالب بعد تخرجه سيعرض له كثير من المسائل العلمية التي ليس له بها علم من قبل، وسوف يسأله طلابه أو الناس عن أمور لم تمرّ به ولم يمرّ بها، فإذا لم يكن قد درب في أثناء الدراسة على البحث العلمي، والملاحظة الدقيقة، والتفكير المنظم، وعلى الوصول إلى المعلومات بجده وكده ومناقشاته _ وقف عاجزاً ضعيفاً في ميادين العلم والدعوة والتعليم، يبكي ولا يجد من يمسح دموعه، ويندم ولات ساعة مندم.
أما الطلاب الذين دربوا في أثناء دراستهم على أن يسألوا مدرسهم ويسألهم، ويناقشوه في قضايا العلم ويناقشهم، وعلى أن يحصلوا العلم بالبحث والتنقيب في الكتب والمكتبات، أما هؤلاء فسوف يكونون في المستقبل بعون الله علماء أقوياء، ولا يكونون عاجزين ضعفاء.
ومن الملاحظ أن كثيراً من ذوي الشهادات العالية في البلاد العربية الإسلامية ليس في إنتاجهم عمق ولا جدة، وربما كان من أعظم الأسباب في ذلك أن الطريقة التي تعلموا بها كانت طريقة سيئة تقوم على الحفظ والاستظهار، لا على البحث والمناقشة ودقة الملاحظة وتحمل المسئولية في تحصيل العلم.
ولن يتم نجاح المدرس يا بني إلا بالعقيدة الصادقة والخلق الكريم، لا يتكلف ذلك تكلفاً، ولا يلبس له ثياب الممثلين على المسارح.