ولذلك لا يرى كفؤاً لغسله إلا وضوء النبيين، ولا لتكفينه إلا رقعا من مواضع صلواتهم، ولا يصلح لضم جثمانه إلا نعش مؤلف من أعواد المنبر النبوي، ولا لحمله إلا ظهر البراق الذي كان مركب الرسل من قبل:
سل كالورد في رباه البواسم
اغسلوه بطيب من وضوء الر
رقعة كفنوا بها فرع هاشم
وخذوه من وسادهم في المصلى
عوداً ومن شريف القوائم
واستعيروا لنعشه من ذرى المنبر
فقد جل عن ظهور الرواسم
واحملوه على البراق إن اسطعتم
على أن أروع ما انطوت عليه تلك القصيدة حديثه عن واقع المسلمين تحت أوزار الاستعمار، وما خبره من مغامرة المرثي في نصرة هؤلاء الأراقم:
كيف غامرت في جوار الأرقم
قم تحدث أبا علي إلينا
حمل في وليمة الذئب طاعم
كلنا وارد السرّاب، وكل
ووردنا الوغى فكنا الغنائم
قد رجونا من الغنائم حظاً
وأكثر ما يتجلى هذا التطور في قصائده التي يسجل بها كفاح دمشق وسورية في طلب الحرية، ومن أشهر شعره الجديد قصيدتاه عن دمشق (سلام من صبا بردى..) و (قم ناج جلق. .) وفي كليتيهما يقف شوقي موقف المؤرخ الواصف الناصح المحرض:
ومرضعة الأبوة لا تعق
ألست دمشق للإسلام ظئرا
وألقوا عنكم الأحلام ألقوا
بني سورية اطّرحوا الأماني
بألقاب الإمارة وهي رق
فمن خدع السياسة أن تغروا
فإن رمتم نعيم الدهر فاشقوا
وقفتم بين موت أو حياة
بكل يد مضرجة يدق
وللحرية الحمراء باب
وهكذا أصبح شعر شوقي وتراً حساساً يسجل جميع الاهتزازات التي تعتري البلاد العربية فلا تجد حادثة من حوادثها السياسية إلا تركت آثارها في قلبه وشعره, فهو بذلك صاحب فكرة توجيهية تستهدف بعث الحمية بتذكير العرب ماضيهم المجيد، ودفعهم إلى بناء حاضرهم الجديد، وإلى هذا يشير بقوله: