ومن وصفه القديم كوصف الخمرة والمرأة والطبيعة، ومنه الحديث كوصف الرقص والطيارة والغواصة وحضارة الغرب، وقد تناول في وصفه بعض الموضوعات المطروقة من قبل فأخرجها في صور جديدة بارعة،، كوصفة آثار الفراعنة والحرب والمدن المنكوبة، وهو غني الصور في وصفه يمتاز بسعة الخيال ووفرة الألوان، ولعل أفضل وصفه ما قصد به إلى العبرة والموعظة، كوصفه نكبة دمشق والمسجد الأموي وقصر الحمراء.
ولقد فتن شوقي بجمال دمشق فهو يراها جنة من جنان الله، بل هي بالنسبة للأرض حديقتها التي تسكب عليها الجمال، وبردى في نظره حارس هذه الجنة، يخرج مصفقاً لاستقبال نزلائها، أما غوطتها فهي زمردة خضراء، وليست منتزهاتها إلا ملاعب ومسارح. . .
كما تلقاك دون الخلد رضوان
جرى وصفق يلقانا بها بردى
والشمس فوق لجين الماء عقيان
دخلتها وحواشيها زمردة
حُور كواشف عن ساق وولدان
والحَوْر في دمّر أو حول هامتها
الساق كاسية والنحر عريان
وربوة الواد في جلباب راقصة
لدى ستور حواشيهن أفنان
وقد صفا بردى للريح فابتردت
هكذا يمضي شوقي في هذا الوصف المترف لدمشق، فيجمع فيه من الألوان والظلال وصور البهجة واللهو ما يعبر عن طبيعته المشبعة بالترف النزاعة إلى اللذائذ.
وإذا وقف شوقي أمام آثار مصر القديمة غَمَره الخشوع، وتفاعلت نفسه بذكريات حزينة على مجد ضائع، فيعرض ما يراه من تلك الآثار ممزوجاً بأحاسيسه النفسية، في صور دقيقة تفرغ الحياة على تلك الجمادات. فلنستمع إليه يصف هيكل أنس الوجود بأسوان وقد غرق بعضه في الماء، وانتصب بعضه في الفضاء:
كالثريا تريد أن تنقضا
أيها المنتحي بأسوان داراً
لا تحاول من آية الدهر غضا
اخلع النعل واخفض الطرف واخشع
ممسكاً بعضها من الذعر بعضا
قف بتلك القصور في اليم غرقى
وشباب الفنون ما زال غضا