وليست أطلال العرب بأقل أثراً في نفس شوقي من أطلال الفراعنة، ففي كلتيهما ما يوقظ أساه على هذه الأمة، التي خسرت أمجادها، فلم يبق لها منها سوى هذه الأطلال المحركة لعميق الذكريات.
هاهو ذا يصف قصر الحمراء في الأندلس، فتكاد تلمح الدموع تجول في مقلتيه، وتسمع الآهات تسيل على شفتيه:
ء مَشْيَ النعِيِّ في دار عرس
مشت الحادثات في غرف الحمرا
سدة الباب من سمير وأنس
هتكت عزة الحجاب وفضت
مقفر القاع من ظباء وخُنس
وترى مجلس السباع خلاء
كلة الظفر لينات المجس
مرمر قامت الأسود عليه
وكدأبه في مثل هذا الموقف تتداعى في خياله صور الماضي ممزوجة بعبر الحاضر، فيعرض هذا المشهد التاريخي الرهيب لخروج آخر فوج لمسلمي الأندلس:
عن حفاظ كموكب الدفن خُرس
خرج القوم في كتائب صم
تحت آبائهم هي العرش أمس
ركبوا بالبحار نعشاً وكانت
فهذا وصف دقيق عميق، تمتزج فيه المعنويات بالمحسوسات، امتزاجاً حياً مؤثراً يبعث الروح في أطلال الماضي بما فيها من الروعة والرهبة.
أما وصفه لمظاهر المدنية الحديثة، فلا نكاد نلمس من خلاله ما ألفناه من ذلك التأثر العميق الذي نحسه في وصفه لآثار العرب والفراعنة, أنظر إليه يصف الغواصة تجده يدقق في وصف خطرها، وتتبع حركاتها، وسرعة عملها، دون أن تحس بحرارة العاطفة:
لجج السند وخلجان الخزر
بعث البحر بها كالموج من
ليس دون الله تحت الليل سر
ضربتها وهي سر في الدجى
ونزت جنباً وناءت من أُخر
وجفت قلباً وخارت جوء جؤاً
فأتاها حَيْنها فهي خبر
طُعنت فانبجست فاستصرخت
فهو وصف معركة بين الغواصة والسفينة يروعنا بقوة تعبيره دون تأثيره.