للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبرهان ذلك أنا لو فرضنا مسافراً سافر على كرة الأرض من جهة المشرق إلى جهة المغرب وامتد مسافراً لعشى على الكرة إلى حيث ابتدأ بالسير وقطع الكرة كما يراه الناظر أسفل منه وهو في سفره هذا لم تبرح الأرض تحته والسماء فوقه فالسماء التي يشهدها الحس تحت الأرض هي فوق الأرض بالذات فكيف كانت السماء كانت فوق الأرض من أي جهة فرضتها ومن أراد معرفة ذلك فليعلم أن كرة الأرض النصف الأعلا منها ثقله على المركز والنصف الأسفل منها ثقله على النصف الأعلا أيضاً إلى جهة المركز والنصف الأسفل هو أيضاً فوق النصف الأعلا كما أن النصف الأعلا فوق النصف الأسفل ولفظ الأسفل فيه مجاز بحسب ما يتخيل للناظر وكذلك كرة الماء محيطة بكرة الأرض إلا سدسها والعمران على ذلك السدس والماء فوق الأرض كيف كان وإن كنا نرى الأرض مدحية على الماء فإن الماء فوقها وكذلك كرة الهواء محيطة بكرة الماء وهي فوقها وإذا كان الأمر كذلك فالسماء التي تحت النصف الأسفل من كرة الأرض (في نظرنا) هي فوقه لا تحته لأن السماء على الأرض كيف كانت فعلوها على الأرض بالذات فلا تكون تحت الأرض بوجه من الوجوه وإذا كان جسم وهو السماء علوها على الأرض بالذات فكيف من ليس كمثله شيء وعلوه على كل شيء بالذات كما قال تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} وقد تكرر في القرآن المجيد ذكر الفوقية {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} لأن فوقيته سبحانه وعلوه على كل شيء ذاتي له فهو العلي بالذات والعلو صفته اللائقة به كما أن السفول والرسوب والانحطاط ذاتي للأكوان عن رتبة ربوبيته وعظمته وعلوه والعلو والسفول حد بين الخالق والمخلوق يتميز به عنه، هو سبحانه على بالذات وهو كما كان قبل خلق الأكوان وما سواه مستقل عنه بالذات وهو سبحانه العلي على عرشه يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه فيحي هذا