ويتبين من هذه الوجهة أن الإسلام دين الكون طرا، لأن الإسلام معناه الانقياد والامتثال لأمر الآمر ونهيه بلا اعتراض كما عرفت آنفاً، فالشمس والقمر والأرض مسلمة، والهواء والماء والنور الظلام والحرارة مسلمة، والشجر والحجر والأنعام مسلمة، بل إن الإنسان الذي لا يعرف ربه ويجحد وجوده وينكر آياته، أو يعبد غيره ويشرك به سواء مسلم من حيث فطرته التي فطر عليها، وذلك أنه لا يولد ولا يحيا ولا يموت إلا وفقاً لما وضع الله تعالى من قانون لولادته وحياته وموته، وكذلك كل أعضاء جسده لا تدين إلا دين الإسلام، لأنها لا تنشأ ولا تكبر ولا تتحرك إلا حسب هذا القانون الإلهي نفسه بل الحق أن لسانه الذي يستخدمه في إبداء آراء الشرك والكفر جهلا وسفهاً لا يدين في نفسه إلا دين الإسلام.
وكذلك رأسه الذي يكرهه على الانحناء أمام غير الله لا يدين إلا دين الإسلام بسائق فطرته التي فطر عليها، وكذلك قلبه الذي يعمره بحب الآخرين من دون الله وإجلالهم جهلاً وسفهاً إن هو إلا مسلم من لدن فطرته وسجيته، فكل قد أسلم لله وانقاد..)
قلت: ولفظ الإسلام المعبر به في هذه الجمل ينطبق تماماً على توحيد الربوبية وهو الإسلام المعروف في اللغة العربية، وليس المقصود به الإسلام الشرعي كما هو واضح.
ويتضح من ذلك أن الإقرار بوجود الله وأنه رب العالمين وخالقهم والمدبر لشئونهم والمتصرف فيهم فطري في جميع المخلوقات حتى الإنسان الكافر الجاحد ولكن أيعترف كل الناس بذلك؟
كان المشركون الأولون - وهم يجحدون وحدانية الله في عبادته يقرون بوجود الله، وأنه خالق الخلق ومدبر الكون ومنزل المطر كما قال تعالى عنهم في كتابه الكريم: