فتوحيد الربوبية هو: الإقرار بوجود الله تعال، وأنه رب العالمين وخالقهم ومالكهم، مدبرهم والمتصرف فيهم، لا يخرج عن قدرته شيء ولا يشذ عن ربوبيته أحد، إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون.
والكون كله - ومنه الإنسان - مفطور على الإقرار بهذا القسم من التوحيد، وهو الذي عناه الأستاذ أبو الأعلى المودودي في كتابه القيم (مبادئ الإسلام) بقوله: (من المعلوم أن كل شيء في هذا الكون منقاد لقاعدة معينة وقانون خاص، فالشمس، والقمر والنجوم - وكذلك الأرض، مسخرات تحت قاعدة مطردة لا قبل لها بالحراك عنها والخروج عليها، والماء والهواء والنور والحرارة كلها مذعنة لنظام خاص، وللجمادات والنباتات والحيوانات ضابطة لا تنمو ولا تنقص ولا تحيا ولا تموت إلا بموجبها حتى إن الإنسان نفسه إذا تدبرت شأنه تبين لك أنه مذعن لسنن الله إذعانا تاما، فلا يتنفس ولا يحس حاجته إلى الماء والغذاء والنور والحرارة إلا وفقاً لقانون الله المنظم لحياته، ولهذا القانون ينقاد قلب الإنسان في حركته ودمه، وفي دورانه ونفسه، في دخوله وخروجه وله يستسلم جميع أعضاء جسده، كالدماغ والمعدة والرئة والأعصاب والعضلات واليدين والرجلين واللسان والعينين والأنف والأذن.
فليست الوظائف التي تؤديها هذه الأعضاء إلا حسب ما قررت لها من الطريق.
فهذا القانون الشامل الذي يستسلم له ولا ينفك عن طاعته شيء في هذا الكون من أكبر سيارة في السماء إلى أصغر ذرة من الرمل في الأرض من وضع ملك جليل مقتدر، فإذا كان كل شيء في السموات والأرض وما بينهما منقاداً لهذا القانون فإن العالم كله مطيع لذلك الملك المقتدر الذي وضعه ومتبع لأثره.