أما الاندفاع الكلي في الترجمة المعنوية، فإنه وإن كان فيه حق يجب القيام به مقدمة للدعوة الإسلامية، فإنه يتصل اتصالاً وثيقاً ـ إن استمر ـ بما تدعيه أوربا من أن العربية لا تصلح لغة لحضارة معاصرة والإسلام متخلف لا ينهض في عصر التكنولوجيا، كما أنه يضعف طلب العربية وتعلمها من قبل المسلمين في المعمورة الأرضية.
وإذا رجعنا إلى الوراء وتأملنا صفحات التاريخ المشرقة بالأمجاد والمجد طيع في طولها وعرضها. استحضرنا ما كان للدولة الإسلامية من تقدم وأداء للدعوة، لما كانت قوية ومتمسكة بشخصيتها الأصيلة في عهودها الأولى لقابلتنا حقائق بارزة وناطقة تشهد لما ذكرت وبينت.
لقد استطاع المسلمون أن يترجموا لغات الأمم التي دخلت الإسلام إلى العربية فتصبح العربية لغة لهذه الشعوب المؤمنة وتنصرف عن لهجاتها التي لا تتصل بالقرآن في حال من الأحوال، وتعتنق العربية الوسيلة إلى قرآنهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.
ويدخل في هذا ترجمة الآداب والعلوم الفارسية والرومية واليونانية والهندية إلى العربية، ليتسنى للناس دراستها والاستفادة منها بأسلوب عربي، وتموت تلك اللغات وتحيى لغة الإسلام مسيطرة على الأمة فكريا وعلميا، وماذا نتج عن هذا؟!
هل نتج عنه أن الإسلام لم يصلها لا والله..؟ وإنما النتيجة أن تفجرت في آفاق الدنيا آلاف من العلماء حملوا لواء الإسلام في عربية، وكانوا منار الهدى في عصور الإسلام، ويظهر سيبويه ليكون إماماً للنحو العربي، والطبري إماماً للمفسرين والبخاري إماماً للمحدثين وأبو حيان وابن معطى وابن الرومي وأبو العتاهية وبشار وغيرهم من العلماء والشعراء والأدباء.