وهكذا كان هذا التحريم الجزئي غير المباشر منهجاً علمياً لتوسيع فترات انقطاع التأثير العوني، وفي نفس الوقت تقليل رواج الأشربة، وتجريدها من سوقها بالتدريج، دون إحداث أزمة اقتصادية بالتحريم الشامل والمفاجئ، وحين تم هذا، وتخلصت التجارة من تأثيرها لم تبق سوى خطوة واحدة: وهي الخطوة التي أنجزتها الآية الرابعة، والأمر الأخير {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} هذا المسلك اليسير المتدرج يدعونا إلى أن نتذكر الطريقة التي يستخدمها الأطباء المهرة العلاج مرض مزمن، بل أن نتذكر، بصفة عامة، المنهج الذي تلجأ إليه الأمهات لفطام أولادهن الرضع، ذلك أن هذه الوسائل التي خلت من العنف والمفاجأة تدعو الجهاز الهضمي إلى أن يغير نظامه شيئاً فشيئاً ابتداء من أخف الأطعمة حتى أعسرها، ماراً بجميع الدرجات الوسيطة ألا ما أعظم رحمة الله التي ترفقت بالعباد على نحو لم يبلغه فن العلاج ولا حنان الأمهات!!