على هذا التأويل إذ لولاه لاختلف الزمانان: زمان التقديم وزمان النهي عن الاختصام. فإنه إنما صح التقديم عندهم في الآخرة فاجتمعا بذلك في زمان واحد، واجتماعهما في زمن واحد واجب، والباء في قوله {بِالْوَعِيدِ} إما مزيدة أو للتعدية إن كان قَدَّم بمعنى تقدم. وقوله:{مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ} الخ يجوز أن يكون استئنافاً لتيئيسهم وتقرير عدله سبحانه، ويجوز أن يكون معمولاً لقدمت. وعلى هذا فقوله {بِالْوَعِيدِ} متعلق بمحذوف هو حال من المفعول أو من الفاعل والتقدير: قدمت إليكم هذا القول ملتبساً بالوعيد مقترناً به أو قدمته إليكم موعداً لكم به. وقوله:{يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ} يوم منصوب بظلام، ونفي الظلم عنه في هذا اليوم دليل على نفي الظلم عنه في غيره من باب أولى. ويجوز أن يكون منصوباً بمحذوف تقديره: اذكر أو أنذر. وقوله {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} المقصود من الاستفهام الأول تحقيق وعده بملئها إذ قال: {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّم} والاستفهام الثاني يجوز أن يكون بمعنى النفي يعني أفي موضع للزيادة ومعناه لا أحتاج إلى زيادة، وعلى هذا فالسؤال والجواب بعد امتلائها.
وبهذا قال الحسن وبعض أهل العلم. وقيل: المراد من الاستفهام الرغبة في الزيادة والاستكثار من الداخلين فهو بمعنى الطلب أي زدني. وعلى هذا فالسؤال والجواب قبل امتلائها. وحينئذ فمزيد مصدر يعني هل من زيادة! فإني لم أمتلئ بعد. وقد جاء في صحيحي البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فتقول قط قط وعزتك! فينزوي بعضها على بعض وتقول قط قط وعزتك وكرمك. ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقاً فيسكنهم فضل الجنة".