ألم تشتر هذه الكتب التي تنطح برأسها السقف، وتزحم بمنكبيها الزوايا؟! ألم تعديها حين الشراء بالقراءة والدراسة وطول السهر وجميل الصحبة، ثم اعتذرت بضيق الوقت وأعباء الوظيفة، وضربت لها موعداً آخر هو سنوات الإحالة وحياة الشيخوخة؟! هاهو ذا الموعد قد حان، وهاهي ذي سنوات الإحالة قد أقبلت، فلم لا تفرحين بأكرم لقاء؟! ولم لا تنجزين أثمن موعد، ولم لا تنجزين؟!
انظري إلى هذه الكتب، ثم ارجعي البصر إليها كرتين، بعضها قد نام وعلاه الغبار من طول الإهمال والانتظار، وبعضها يقظان غضبان ينظر إليك بعتب وزراية، ألا تصغين إلى ما تقوله وتسمعين!
تقول إذا كنت لا تريدين لنا صحبة، ولا تجدين في مجالسنا أنساً، فأطلقي سراحنا وافتحي لنا الأبواب، إن أناساً كثيرين سوف يفتحون لنا آذانهم وأعينهم والقلوب، وسوف نجد عندهم كريم صحبة وصادق إلف وجميل إحسان.
لم نؤلف نحن - معاشر الكتب - لنكون على الجدران زينة وجمالاً، ولا لنكون في البيوت أثاث تفاخر ومباهاة، وإنما نحن زاد عقول ونور قلوب، وأصدقاء أوفياء لمن كان لنا وفيا.
لقد لقينا نحن - معاشر الكتب - منك أيتها النفس جفاء غير حميد، واستقبالا غير ودود، وإعراضاً وصدا طال عليهما الأمد، أمن الحق أن تقضى الساعات الطويلة تصغين إلى المذياع، وتنظرين في التلفاز، وتجترين الأحاديث المكرورة في مجالس القهوة والشاي، حتى إذا نبهناك إلى حقنا عليك، وإلى نصيبنا من جهدك وأوقات فراغك، رحت تزعمين التعب والإرهاق، وتدعين الحاجة إلى النوم والراحة.
لو كنت ذات صناعة أو تجارة أو عمل، ولم تكوني منسوبة إلى العلم وأهله، لكان لك شيء من عذر، ولكنك - وا أسفاه - تنسبين إلى العلم وذويه، وتعدين فيهم حين يدعو الداعي إلى مغنم أو وليمة.