وفي مقابل هذا الذهول الذي منّي به رجالات قريش جعل المسلمون المستضعفون في مكة يعزون، وجعلت معنوياتهم ترتفع بما أفاء الله سبحانه على الدعوة وأهلها من النصر والتأييد، حتى سمت بهم مشاعرهم إلى الوقوف في وجه جبابرة قريش، ومواثبتهم، وما كانوا ليجرأوا على هذا من قبل بدر، ومما يدل على ما ذكرناه من ذلة رجالات قريش وعزة المؤمنين المستضعفين بسبب معركة بدر، ما يرويه أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنه كان غلاماً للعباس بن عبد المطلب، وأنه كان رجلاً ضعيفاً ينحت الأقداح في حجرة زمزم، ولما أخبر أبو سفيان الحارث أبا لهب أنهم لقوا في المعركة رجالاً بيضاً على خيل بلق كما أوردنا في الفقرة السابقة قال أبو رافع: تلك والله الملائكة، فصفعه أبو لهب صفعة شديدة، فما كان من أبي رافع إلا أن هجم على أبي لهب وثاوره، وانتهى الأمر بأن نهضت أم الفضل زوجة العباس بن عبد المطلب لتدافع عن أبي رافع، فأخذت عموداً من عمد الحجرة، وشجت به رأس أبي لهب شجة منكرة، فقام موليا، ولم يعش بعدها إلا سبع ليال، فرماه الله بالعدسة، ومات ذليلاً مغموراً [٣] .
ولولا ما ألحقت غزوة بدر من ذل وهوان برجالات قريش، لما كان من الممكن أن يجرؤ أبو رافع رضي الله عنه على أبي لهب وهو سيد من سادات الوادي.