وجعل سالم رحمه الله يطلب غرة أبي عفك، حتى كانت ليلة من ليالي الصيف الحارة، ونام أبو عفك بفناء داره، فأقبل سالم البطل فوضع السيف على كبده، ثم اعتمد عليه حتى نفذ إلى الفراش، وخش فيه وصاح عدو الله والإسلام، فثاب إليه ناس ممن هم على مثل رأيه، فأدخلوه منزله وقبروه، وهكذا بتر هذه العضو المزمنة علته لم يكن بد من بتره، وكان ذك في شوال على رأس عشرين شهراً من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم [١٩] .
وعاش سلم بن عمير رضي الله عنه حتى في خلافة معاوية بن أبي سفيان رحمه الله، بعد أن شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلها، فجزاه الله عن الإسلام وأهله خيراً [٢٠] .
٢- بتر عصماء بنت مروان:
كانت عصماء هذه يهودية [٢١] ، وكانت تعيب الإسلام وتؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول الشعر وتحرض عليه، وقد نافقت بعد مقتل أبي عفك، ولما استمرت في إيذائها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وعيبها الإسلام جاءها عمير بن عدي في جوف الليل، ودخل عليها بيتها وكان حولها نفر من ولدها يتام، وإلى جانبها رضيع، فجسها بيده - وكان أعمى - فلما تحقق منها نحى الرضيع، ووضع سيفه على صدرها، واعتمد عليه حتى أنفذه من ظهرها.
ثم صلى الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، فقال صلى الله عليه وسلم له:"أقتلت ابنة مروان؟ قال: نعم، فهل علي في ذلك شيء؟ فقال: لا ينتطح فيها عنزان"[٢٢] وأثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بعد قتله عصماء، فأقبل على الناس وقال:" من أحب أن ينظر إلى رجل كان في نصرة الله ورسوله فلينظر إلى عمير بن عدي"، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:"انظروا إلى هذا الأعمى الذي يرى" فقال صلى الله عليه وسلم: "مه يا عمر فإنه بصير، وسماه البصير لما رأى من كمال إيمانه وقوة قلبه في الله [٢٣] ".