هذا هو الموقف الإجمالي للمشركين والمنافقين في المدينة بعد غزوة بدر فالمشركون - كما قلنا آنفاً - منهم من بقي على شركه، ومنهم من نافق، وهؤلاء كانوا طائفتين: طائفة انحلت تماماً، وأضحت مذبذبة لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، وطائفة أقامت على شركها في الباطن وإن تظاهرت بالإسلام.
أما المنافقون سواء من نافق قبل بدر أو بعدها فقد غاظهم انتصار المسلمين، وضاقوا به أيما ضيق، واستمروا - على ما كانوا عليه - يتآمرون على الدعوة في الخفاء، ويتعاونون مع إخوانهم، بل شياطينهم اليهود، ولم يكتفوا بذلك بل انحدروا إلى مستوى العمالة لقريش، والروم، ونصارى العرب...
على أن من المشركين من أدركتهم عناية الله، فثابوا إلى رشدهم، ودانوا بالإسلام، كحويصة ابن مسعود أخي محيصة الذي قتل ابن سبينة [٢٨] التاجر اليهودي، وبتره من جسم المجتمع المدني حين أهدر الرسول عليه الصلاة والسلام دماء يهود [٢٩] عقب اغتيال عدو الله، كعب بن الأشرف كما سنرى، وقد كان إهدار دمائهم ضرباً من الإجراءات الرادعة ساق إيه تآمرهم المستمر الخطر على كيان الدعوة ودولتها.
جـ - اليهود:
لقد كان وقع نتائج غزوة بدر شديداً على نفوس اليهود المقيمين في المدينة شدة الصواعق، واستغربوها وريعوا لها ولما انتهت هذه النتائج إلى كعب بن الأشرف قال: أحق هذا؟ أترون أن محمداً قتل هؤلاء الذين يسمي هذان الرجلان، يعني زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة [٣٠] فهؤلاء أشراف العرب وملوك الناس والله لئن كان محمد أصاب هؤلاء القوم، لبطن الأرض خير من ظهرها [٣١] .