وليس يقبل من الكاتب أن يكون مؤرخاً يقوم مقام الواصف فقط، بل لا بد من مناقشته وبحثه لما يخالف المقررات الإسلامية أو يبدو عليه ذلك من تفسير لظاهر الحياة الاعتقادية الإنسانية أو حياة ملة بعينها أو نحلة خاصة أو بيان لمعتقد أو بحث عن أصوله مما استطالت به اليوم يد العلم واستشرقت إلى تناوله في جرأة تختلف باختلاف الكاتبين وتتجاوز حدها في كثير من الأحايين. وهو مقام دقيق وجاد لأنه وقفة بين العلم والدين يصاول فيه يقين الإيمان شك العلم وإنها لكبيرة إلا على الموفقين الذين يمدهم الحق ويسعفهم الصبر فلا يمكنون الهوى من نفوسهم ولا يغترون بمقدرة العقل ولا يمنعون ما اعتقدوه على البحث ولا يمكنون منه الجدل المتعنت.
في ذلك كله يلوذ الإنسان بالحق ويستمد من الحق ويهتف من أغوار نفسه يا حق نستعينك ونستهديك بحرمة هذا الاسم الكريم. يا حق جنبنا زلل من زل وضلال من ضل ويسر لنا يا حق توفيق من وصل إنك أنت أحكم الحاكمين.
(تاريخ الأديان) أو (تاريخ الملل والنحل)
والتسمية بهذا الاسم معروفة لدى العرب من قديم ولكنها لم تعرف لدى الغربيين إلا في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي... وموضوع هذه المادة يطلق على معنيين: قديم وحديث.
أولاً: فالقديم هو وصف لحياة الأديان ومعتقداتها وفرقها وحياة تلك المعتقدات والفرق المعتقدة لها وأحداثها وما تولد منها وما انشق عليها، وقد كتب في ذلك كثير من سلفنا الكرام وقد امتازت كتاباتهم بميزتين لم يسبقهما أحد فيهما.
أما الميزة الأولى: فهي إفراد هذا العلم في دراسة مستفيضة وصفية وواقعية شاملة لكافة الأديان التي عرفت في عهدهم منفصلة عن العلوم الأخرى فكان لهم فضل السبق في تدوينه علماً مستقلاً عن غيره من العلوم بعد أن كان لدى الأمم الأخرى من يونان ورومان وفرس وغيرهم ممتزجاً بغيره من العلوم الأخرى تتقاذفه الأمواج فتارة يأتي مع علوم الجدل وأُخرى مع علوم الفلسفة وهكذا..