أيها الحضور الأكرمون: وقصة الرماة في هذه المعركة هي جوهرها وملاك أمرها، نصر في البداية غير حاسم في النهاية، وقد قرأت للعسكريين يوماً تحليلاً، لماذا اهتم الرسول الكريم في أول تنظيمه لجيشه لوضع الرماة هكذا؟ ومؤداه أنه صلوات الله عليه قد لاحظ أمرين: أولهما أن المكان المسمى الآن بجبل الرماة، نقطة ضعف ميدانية، يمكن الولوج منها خاصة وهي من خلف جيشه، ثانيهما ما رآه من تفوق مطلق في سلاح الفرسان لدى العدو، يقود جياده رجل يعرف الرسول أنه بطل مقدام هو خالد بن الوليد، الذي سيجعل هذا المدخل السهل بخيوله السريعة المدربة مطمحه العظيم، فلم يغب ذلك عن العقل النبوي الذي فسد الثغرة بخمسين منتقين من أمهر الرماة، بقيادة بطل رام هو عبد الله بن جُبير رضي الله عنه، واختارهم من سلاح الرماة لعلمه بأنهم لن يهاجموا إلا بالخيول لتي من خصائصها ترهب رشق النبل هذا تحليلهم، وعندما نسمع الأوامر النبوية للرماة نرى دقة هذا التحليل، فقد ذكر أهل السير أربع روايات، الأولى:"احموا لنا ظهورنا، لا يأتونا من خلفنا، ارشقوهم بالنبل، فإن الخيل لا تقدم على النبل، إنا لا نزال غالبين ما ثبتم مكانكم" والثانية "انضحوا الخيل عنا بالنبل، لا يأتونا من خلفنا" والثالثة: خص بها رئيسهم عبد الله "انضح الخيل عنا بالنبل، لا يأتونا من خلفنا، واثبت مكانك إن كانت لنا أو علينا" الرابعة "إن رأيتمونا تتخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا ظهرنا على القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا غنمنا فلا تشركونا، وإن رأيتمونا نقتل فلا تغيثونا ولا تدفعوا عنا اللهم إني أشهدك عليهم" الله أكبر، يا من في كل الدنيا تعلموا من رسول الدنيا، هل سمعتم قديماً أو حديثاً أوامر تصدر من قائد مفصلة صارمة هكذا؟ ونسدد النظر في جملتين أولاهما " وإن رأيتمونا غنمنا فلا تشركونا" فهو يعلم أن أكثر ما يغري في تلك المواقف هي