لأن مقياس الإنفاق بحسب دوافع النفس وأحاسيسها لا بكثرة المال وتعداده كما قال صلى الله عليه وسلم:"درهم سبق مائة ألف درهم". فقال رجل: كيف يا رسول الله؟ قال:"رجل له مال كثير فأخذ من عرضه - أي من جانبه - مائة ألف تصدق بها ورجل له درهمان فأخذ أحدهما فتصدق به". فلم يسبق الدرهم الواحد هنا مائة ألف لتميزه عنها في جنسه ولا لغلاء سعره فهو وإن كان نسبته واحدا من مائة ألف بالنسبة للإنفاق إلا أنه من جهة أخرى نسبة واحد من اثنين أي نصف مال صاحبه فكأنه تصدق بنصف ما يملك في هذا الدرهم الواحد أما صاحب المائة ألف فإن نسبة ما تصدق به نسبة جزء من كل وقد لا يؤثر عليه ولا يشعر به. فهذه منزلة الأعمال عمومها وخصوصها من حسنة إلى سبعمائة إلى مائة ألف بحسب الدوافع ونوازع النفس.
أما بالنسبة إلى الصوم لأنه فوق هذا كله وهو داخل في خصوص قوله تعالى:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} وجاء عنه صلى الله عليه وسلم: "الصوم نصف الصبر".