وأما التضليل: فإن نصوص التحريم لم تكن لهذه العلة فقط، إنما جاءت لعلل كثيرة منها علة المضاهاة لخلق الله تعالى - تبارك الله أحسن الخالقين - وهي أهمها. وهذه العلة ملازمة لرسم ذوات الأرواح ولا تزول إلا بزوالها. وكل من حاول إخضاع الأحاديث الواردة لمثل تأويلات الادعاء السابق فقد أفرط إفراطاً كبيراً، وحملها مالا تحتمل، وزاغ بها عن طريقها الصحيح. فالمسلم ملتزم بالنصوص والعمل بها قبل أن يخضعها إلى أي تفسير وخاصة إذا كانت واضحة جلية.
كما لم يكن تحريم تصوير ذوات الأرواح في الإسلام لهدف قريب فقط، مقيد الأمد، بل هو لهدف بعيد، وهو الحافظ على الأجيال القادمة، ووقايتها من مكائد الشيطان، وحجزها عن الوقوع في الشرك بعد الإيمان. وإننا نلاحظ في زماننا الحاضر ما جلبه انتشار التصوير من فساد عارم شمل البشرية عامة، ولم تنج منه الأمة الإسلامية على الرغم من نصوص التحريم الصحيحة الصريحة، فلقد أصبح التصوير وسيلة هامة لعرض مفاسد الأخلاق في كثير من بقاع الأرض، والدفع بالناس إلى أحضان الرذيلة.
وهنا تتجلى روعة الإسلام وحكمته البالغة في هذا التحريم، لأنه خبير بنفوس البشر عليم بغرائزها وقد أراد لها النهوض بهذه الغرائز إلى المستوى اللائق بالإنسانية فلم يحرم عليها شيئاً، إلا وأباح لها ما يقوم مقامه ويسدّ مسدّه، ويفوقه في حسن عاقبته، لذا فقد أجاز للمسلم رسم كل شيء ما عدا الأرواح، وحديث ابن عباس واضح جلي: