واستعنت بالله تعالى، وانطلقت جوا ميمما شطر تلك الآفاق، ماراً بانجلترا، ثم بكندا، ثم بترينيداد، حتى وصلت أخيراً إلى غيانا بأمريكا الجنوبية حيث ركزت نشاطي بالدعوة فيها طيلة شهرين، ثم عدت إلى نقطة انطلاقي بالمدينة المنورة مركز الإشعاع ومصدر النور إلى العالمين.
والحقيقة التي لمستها أن البلاد التي مررت بها قد غشي نواحي حياتها من مظاهر الحياة المادية الكثيرة. ففي كل مكان ترى آلات وعقولا إلكترونية تعمل على سرعة إنجاز العمل في وقت يسير. ولذا كان طابع الأعمال هناك السرعة المتناهية، وانعكس هذا على الناس، فهم ينطلقون إلى حيث يقصدون في خفة وسرعة حركة كانطلاق تلك الآلات، فلا تجد منهم من يقف متلكئا، أو من يسير متلفتا، أو من يتباطأ في حركاته مترددا، ومن ثم كان الإنتاج عندهم كثيرا، منظما، دقيقاً. فضلا عن ذلك فإن الغالب على حديث الناس هناك الاختصار ما أمكن، حتى أن كتابة الأسماء ونطقها بحروفها الأولى فحسب، والإجابة على السؤال بكلمة أو كلمتين، وربما تكون بمجرد الإشارة. فقلت حينذاك أبياتا منها:
من العرف والعادات والحضارة
وأبصرت فيها ما لم أشاهد مثيله
يضيع وقتا دون شغل وهمسة
ففي كل فج لا ترى المرء واقفا
جموع من النمل انبرت من خلية
ترى الناس فيها مسرعين كأنهم
وتبلغ حضارة تلك البلاد أوجها في الولايات المتحدة الأمريكية - التي مررت بها أثناء عودتي-حيث تمتلئ مدنها بأفخم المباني التي تسمى ناطحات السحاب وحيث يوجد بها كذلك أعلى ما أقيم من بناء في العالم كله، كما يوجد بها عديد من قناطر فوق الأنهار متقاطعة وعديد من الأنفاق تحت الأرض، وأنفاق امتدت لمدى بعيد تحت الأنهار.