ومن المُسَلَّم به، أنه لم تظهر قبل الإسلام.. أية دلائل على التطور الفكري من العرب المنتشرين في الجزيرة العربية [١] .. وكان الشعر، والخطابة والتنجيم، أحب شيء إلى عرب الجاهلية إذن.. ما هي تلك الأسباب التي استقى منها الفكر العربي، مادة حيويته، وتطوره؟ وما هي الموارد التي نهل منها أسباب تكامله، وقوته؟؟..
إن المنبع الأول والأصيل في كل ذلك.. هو: القرآن الكريم.. وذلك أن القرآن، لم يكن كتاب دين يحث على العبادة فحسب.. وإنما كان إلى جانب تأكيد وحدانية الله، وما يتبعها من عقائد، وعبادات، وأوامر، ونواهي، كان أعظم الدساتير التي عرفتها الإنسانية، في تاريخها الطويل الممتد عبر الزمن.. وذلك بما تضمنه من القواعد الرصينة الكفيلة بقيام المجتمع الإنساني الصالح.
ولقد كان أول أثر من آثار القرآن في الفكر الإنساني.. اهتمامه الواسع بالعلم.. وذلك أن العلم أساس التقدم والتعاون، وتبادل الخبرات والمنفعة، وقد كانت عناية القرآن بالعلم.. تفوق حد الوصف..
تأمل القرآن وتدبر آياته، تجده يدعو إلى تحكيم العقل والمنطق، في مظاهر الكون، وأحداث الماضي..
ولقد اشتمل القرآن على ستة آلاف ومائتين وستة وثلاثين آية.. منها سبعمائة وخمسون آية كونية وعليمة.. احتوت أصولا وحقائق تتصل بعلوم الفلك والطبيعة، وما وراء الطبيعة، والأحياء، والنبات، والحيوان، وطبقات الأرض، والأجنة، والوراثة، والصحة، والصحة الوقائية، والتعدين والصناعة، والتجارة، والمال، والاقتصاد، إلى غير ذلك من أمور الحياة.. واحتوت باقي الآيات على الأصول والأحكام في المعاملات، وعلاقات الأمم والشعوب، في السلم والحرب، وفي سياسة الحكم، وإقامة العدل، والعدالة الاجتماعية.. وكل ما يتصل ببناء المجتمع..