وكلمة العلم في القرآن عامة.. تشمل مختلف أغراضه ومراميه.. ويرشدنا هذا العموم، إلى أن العلم في القرآن، ليس خاصا بعلم الشرائع والأحكام.. إنما المراد هو كل علم يفيد الإنسان، توفيقا في القيام بمهمته، التي على كاهله، منذ قدر الله خلقه، وجعله خليفة في الأرض..
فإدراك ما يصلح النبات والأشجار علم.. وإدراك ما يصلح الحيوان والطير علم.. وإدراك موارد الصناعية وكيفياتها علم.. وإدراك الأمراض وعللها والوقاية منها علم.. وإدراك الأمم لكل ما يفيد المجتمعات الإنسانية علم..
فالعلم في القرآن يشمل كل أنواع المعرفة، التي تتصل بكل ما يفيد الناس، في دينهم، ودنياهم، وفي معاشهم ومعادهم، وفي أجسادهم وأرواحهم. ولهاذ كله.. فسح القرآن مجال العلم للعقل الإنساني، وتعدى به أسوار الطبيعة وتغلغل به في أسرار الكون والحياة.. ولم يقف به عند حدود الماديات الطبيعية، بل تعداها إلى كل شيء في الحياة يفيد المجتمع، ويعود عليه بالتقدم والرقي.. ومن هذا المنطلق.. عرف المسلمون منزلة العلم وفضله.. وأدركوا مبلغ الحاجة إليه.. وأنه هو الذي يوضح لهم معالم الطريق، ويفتح أمامهم آفاق الحياة.. فوجهوا عزائمهم إلى طلب العلوم.. ولم يشغلهم عنها ترف الحضارة، ولا ثنت عزائمهم بأساء الحياة وضراؤها.
بحثوا عن العلوم حتى أقاموا لها في كل قطر منارا عاليا، وحملوا مشاعلها مشارق الأرض ومغاربها.. ولم يقفوا بجهودهم عند نتاج عقولهم وأفهامهم بل اتجهوا بها أيضا إلى علوم السابقين.. يدرسونها، ويمحصونها، ويأخذون عنها، ويزيدون عليها، ما هداهم إليه البحث، والنظر، والاستدلال.. فاستخرجوا العلوم من زوايا الإهمال والنسيان، وزادوها نقاء وصفاء، وكانوا يطلبون العلوم طلب الناقد البصير.
وبهذه النهضة العلمية.. استطاعوا أن يعملوا عمل الأقوياء، لأن العمل لبناء المجتمعات لا يصدر إلا عن إرادة قوية، والإرادة القوية لا تأتي إلا من العلم..