تقول إن ضرتي وأبناءها هم الذين حملوك على هذا الطلاق، وزينوا لك هذا الفراق، وأنهم كانوا يحاولون ذلك منذ أزمان طويلة وآماد بعيدة، فكنت تجيبهم بجفاء وغلظة، وتردهم بالخيبة والخسران، ولم تك تخبرني شيئا من ذلك حرصا على هدوء الأحوال واطمئنان البال، وتوفير أسباب الحياة الآمنة الوادعة، حتى إذا شبوا عن الطوق، وأصبحوا يسهمون في كسب الرزق، ويحسنون تدبير شؤون الزراعة، ويقدرون على جمع الحصاد وتخزين الغلال، حتى إذا بلغوا هذا المبلغ، وبلغت أنت من الكبر ما أوهن عظامك وألان قناتك ولوى كفك على العصا اقترحوا عليك أن أزور شقيقتي هذه النائية عنك مائتي ميل، حرصا على راحة أعصابك وهدوء بالك وجمام جسمك، وحسما للمشكلات التي كانت تثور بين ضرتين تسكنان بيتا واحدا.
وجئت أزور أختي هذه سعيا وراء راحتك وابتغاء رضاك، وما كنت أعلم ما تدبره أنت ولا أبناؤك، وما كنت أدري أنها زيارة ليس بعدها رجوع.
تقول إن غيابي البعيد عن البيت، واحتجابي الطويل عن الأعين، أطمعا فيك الضرة وأبناء تلك الضرة، وانتزعا منك زعامة العرين وزمجرة الآساد، فلم تستطع أن تفلت حين قادك أكبرهم إلى المحكمة الشرعية، ومن حولكما إخوة له ثلاثة يشدون عضده، ويضعون أيديهم في يده، ويدخلون قاعة المحكمة على قلب رجل واحد.
وكم حاول القاضي حين عرف أنك مغلوب على أمرك، وأن غاية أولادك حرماني إرثك، كم حاول أن يثنيك عن هذا الطلاق، وكم بيَّن لك ما فيه من إثم وظلم وجنف.
ولكنك كنت لا تعي شيئا مما تسمع، كانت عيناك تنظران إلى الأرض، لا تكاد ترفعهما إلى أعلى خشية أن تلتقيا بأعين أبنائك من حولك، وقد صوبوها نحوك كما تصوب الذئاب الضارية عيونها إلى شاة آمنة جاثية في الحظيرة.
ونطقت بالطلاق بيسر وسهولة، لم يتلجلج لسان، ولا ارتجفت شفتان، ولا تهدّج صوت، ولا غصّت حنجرة.