وخرجت من المحكمة كالشرعية مسرعا تغذ الخطا كأنما أنشطت من عقال، وعدت إلى بيتك هادئ النفس رخيّ البال خفيف الظهر، كأنما كنت أنا شوالا ثقيلا من القمح تحمله على عاتقك فألقيته على الأرض واسترحت.
نعم، عدت إلى بيتك وقد أصبحت السيادة فيه لأم بنيك، أما أنا فواحسرتاه! لقد تقطعت الأسباب ما بيني وبينه، ولم يبق لي منه إلا ذكريات!!
أذكر أنه كان لي في ذلك البيت غرفة، غرفة ذات نمارق مصفوفة وزرابيّ مبثوثة، وقطع من القماش مرقشة جميلة تزين الجدران، وستائر من الحرير مطرّزة تسدل على النوافذ، ومرآة كبيرة تقوم في إحدى الزوايا، كم وقفت أمامها تسرح شعرك السبط الوحف، وتبصر فيها وجهك الأزهر الناضر، وترتدي على هديها ملابسك الأنيقة الفاخرة، ثم تمس شعرك بشيء من العطر وتلتفت إليّ وتقول: إن أهنأ ساعات حياتي هي هذه التي أقضيها في هذه الغرفة، ففي هذه الغرفة أنسى متاعب التجارة وهموم الزراعة ومطل المدينين.
وحين أسمع ذلك منك أكاد أطير من النشوة والفرحة، فليس هناك شيء ألذ في سمع المرأة من أن تملأ آذانها كلمات الحب والثناء والإعجاب من زوج مخلص.
ومضى على تلك الحياة السعيدة الودود بضعة عشر عاما، ظلت الغرفة طوالها قادرة على أن تنسيك متاعب الزراعة والمزارعين، وهموم التجارة ومطل المدينين، على الرغم من أنها لم تسمعك هدهدة رضيع في الليل، ولا مناغاة وليد في النهار.