ثم بدأت الغرفة السعيدة بعد تلك السنوات المديدة تسمع كلمات جديدة، لم تعد الغرفة قادرة على أن تنسيك هموم العيش ولا متاعب الحياة، لم تعد كما كانت من قبل تتنفس عطرا وحبا وسعادة، بدأت الغرفة تسمع الشكاة من كثرة الأعمال وقلة الأعوان والأنصار، وبدأت الغرفة تردد صدى حسراتك من أن يتخطف الأباعد أموالك الواسعة وثمرات تجارتك اليانعة، وبدأت المرآة القائمة في إحدى زوايا الغرفة ترسم على وجهك القلق والخوف من أن يتلقف الأدنون جنى سعيك ونصبك وهم قائلون في الظل حرّ الصيف، وسامرون حول المدافئ زمهرير الشتاء وفهمت الغرفة المسكينة ماذا تعني، وأي شيء كنت تريد، فهمت أنك تريد الزواج والبنين بعد صمت تلك السنين.
وذات صباح غائم ماطر، وبينا أنا أعد طعام الإفطار، ونار الشتاء الدفيئة الجميلة في كانونها تتوهج، وإبريق الشاي على طرف منها يصفر وينذر، وقطع الخبز على طرف آخر تحمّر وتقمّر، وصحاف العسل والزبد والبيض والجبن والزيت والزيتون والسعتر تنتظر، وعيناي تنظران في جمرات النار كيف يعلوها الرماد بعد اتقاد، بينا أنا هذه الحال إذ طرق سمعي خفق نعالك وأنت تعبر الدهليز الممتد ما بين الدكان والغرفة، ورأى معك فتاة صبيحة الوجه، فارعة الطول، تمشي على استحياء، لم تجاوز ربيعها السادس عشر، وتقف على مقربة مني تقول:"انظري، كيف ترين؟! "وفهمت ما تعنين فقلت: "لا بأس، إذا أعجبتك".