للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم عدت بها من حيث أتيت، ورجعت بعد قليل إلى طعام إفطارك، وأنشأت تقول: "جاء أخوها يمتار لأهله، وجاءت معه لتشترى بعض الملابس، هي من أسرة فقيرة، وسوف ترى في هذه الحياة التي نحيا نعمة كبرى لم تكن لتخطر لها على بال، وهي _ كما يبدو _ خرقاء غير صناع، لا تحسن شيئا من أمور المنزل، وغريرة لم تجرب شيئا من أمور الحياة، فلن تلقي منها كيدا ولا غيرة ولا سخيمة قلب، وسوف تعيش معك خادما ليس لها إلا أن تسمع وتطيع، ولا يهمنا من أمرها سوى أن تنجب بأولاد يعينون على تصريف تجارتنا الواسعة، وتدبير زراعة أراضينا الشاسعة ويحفظون هذا المال من الهلاك والضياع".

وظننت هذا الكلام يخفف المصيبة التي أصابت، ويجعل الحياة تمضي سهلة راضية رخاء كما كانت عليه في السنين الخالية.

وتجلدت، وأظهرت لك الرضا، ونار الغيظ والغيرة في حشاي موقدة. ولم تمض غير أيام معدودة حتى وفدت علينا تلك الفتاة لتكون لك زوجا وأم بنين، ولتكون لي شجا في الحلق إذا ما أكلت، وحسك السعدان على فراشي إذا ما نمت.

وعلى ما كنت ألاقي من كيد وكمد وكبد، فقد غبرت على ما كنت عليه من قبل من إعداد طعامك الهنيء وشرابك المريء، والحفاظ على نظافة ثوبك وبيتك، ورعاية أموالك في غيبتك، مع تربية أولادك حين كانوا صغارا يدرجون في البيت، وتلاميذ يغدون على المدارس.

وما أنا بقائلة في تلك الضرة شيئا، وأنى يقبل لي فيها قول؟! ولكنك تعلم أن أخاها كان مدينا فأصبح دائنا، وكان يسكن بيتا من الطين، فأصبح ذا دور وأراض وبساتين في بضع سنين.

يا سبحان الله! خمسة وأربعون عاما وأنا أرعى بيتك وأربّ مالك، وأهذب زوجك وأربي عيالك، وأكابد ما أكابد ابتغاء رضاك، ثم يكون جزائي أن أنزع من بيتي كما تنزع قشور البرتقال، وأن ألفظ من داري كما يلفظ نوى التمر.