وقد اتفقت دعوة الرسل في هدفها وطريقها فكلهم دعا وسعى بالحكمة والموعظة الحسنة لتوحيد القلوب ودفعها إلى الخير وتنفيرها من الشر والتوجه بها إلى إله واحد.
وفي دعوتهم هذه لم ينكروا بل لم ينكر الله عليهم أن ينالوا من الدنيا وطيباتها ما تقتضيه ظروف الحياة في حدود الاعتدال وفق ما رسمه الله قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}[٥] .
ولحكمة ما قدم الله ما أباحه للرسل من الطيبات على ما أوجبه عليهم من عمل وما كلفهم به من واجبات ليكون هذا باعثا لهم ولسائر الناس على إجابته والإسراع إلى طاعته شكرا لله سبحانه على ما أسبغ من نعمته بهذا جاءت الرسل واتفقت الرسالات فكلهم دعا إلى الله ورغب في العمل الصالح ولذلك أوجب القرآن أن نؤمن برسله جميعا دون تفريق فقال:{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}[٦] .
وبهذا جمع القرآن الناس على مائدة واحدة، وربط قلوب بعضهم ببعض وأزال أسباب النفرة بين أهل الأديان الحقة، واتجه بهم إلى الله الواحد الأحد في وحدة متناسقة.
ومن فضل الله علينا أن القرآن وهو خاتم الكتب جمع بطريق العبارة أو الإشارة كل ما يحتاج إليه الناس وينهض بهم ويعالج شئونهم في كل نواحي الحياة، فهو آية كبرى، وحجة خالدة، وعقيدة صافية، وعبادة هادية وقانون تام وسياسة ناجحة، وإصلاح اجتماعي، ونظام دولي ودائرة معارف يعتمد عليها المسلمون في دينهم ودنياهم.