وصفة من صفات دستوره الذي نزل بها واشتمل عليها قال تعالى:{فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ}[٢٥] .
فالرحمة كما ترى _ أيها القارئ_ صفة من صفات الله.. وصفات رسوله وصفات كتابه، فلا بدع إذا رأينا آثار هذه الرحمة تتجلى فيما جاءنا من أحكام، وما ألزمنا به من تكاليف وحسب الباحث المفكر أن يقرأ فاتحة الكتاب ويتأمل هذا البدء العجيب الرائع ليرى كيف يفتتح الله القرآن بما يلقى عليه الهيبة، وما يبعد اليأس عن النفوس وبما يقيم الرابطة بين الإنسان وربه على أساس من الحب العميق والرحمة الشاملة التي وسعت كل مخلوقات الله فأول ما يقرع السمع {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فباسم الله صدر هذا الدستور، ولم يصدر باسم ملك متجبر ولا باسم أناس لهم هوى يتحكم فيهم، وشيطان يوسوس لهم، ونفس أمارة بالسوء.
نعم.. صدر باسم الله الذي تنزه عن الهوى وعن العبث وعن السفه.. صدر باسم الله ليكون له وقع في النفوس وهيبة في القلوب تحمل على اتباعه وتقديسه والابتعاد عن التلاعب به، لأنه صادر ممن بيده الملك وهو على كل شيء قدير، ممن يعلم السر وأخفى صدر هذا الدستور باسم الله الرحمن الرحيم. وهكذا يستقبلنا دستور الله باسميه الرحمن الرحيم ليذكرنا برحمته الواسعة، وليطمئننا على أن هذه الأحكام لاعنت فيها ولا مشقة لأنها صادرة من الرحمن الرحيم.
ويثني بعد ذلك المولى بقوله:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فمنزل القرآن هو صاحب النعم جليلها ودقيقها.. أُصولها وفروعها.. المستحق للحمد من جميع الخلائق فهو رب العالمين وليس رب المسلمين وحدهم بل هو رب المسلمين واليهود والمسيحيين وغيرهم من الخلائق يتعدهم بتربيته، ويتولاهم برحمته.