إنها الغرائز الخسيسة، والعصبية الضريرة، هما اللتان تعهدتا إنشاء ذلك الجيل منذ أربعين سنة على القواعد الصليبية، التي دمرت أمن هذه الديار هبل ثمانية قرون، وتريد أن تعيد اليوم دور أسلافها من جديد ... ومن أجل تحقيق هذه الغاية الرهيبة تأبى الاعتراف للآخرين من المواطنين بأي حق في المساواة الإنسانية، والعدالة التي لإبقاء لدولة أو أمة تخلت عنها..
وإنها كذلك للغرائز نفسها التي تجردت من سماحة الإسلام، وفتحت وجودها لسموم المذاهب الهدامة التي لا يسرها شيء مثل القضاء على المسيحية والإسلام.. هذه الغرائز هي نفسها التي تنطلق اليوم بكل طاقاتها المدمرة لنسف كل شيء، حتى بقية الوشائج الخيّرة التي تربط بين الإنسان والإنسان.. ثم لا تخجل من الادعاء أنها بذلك إنما تدافع عن حقوق المظلومين، وهي التي تكتسح الظالمين والمظلومين أجمعين ...
إن حزني عليك يا بيروت لكبير كبير، يعجز القلم عن تحديد مداه..
وإن ألمي من هؤلاء الغدارين الذين يغتالون أمنك، ويعرضون سكانك لأقسى ألوان الشقاء والتعاسة، لأضخم وأثقل من أن يحتمل أو يتسع لتعزية ...
ولكن حزني على كبره، وألمي على ثقله، لن يشغلاني عن هذا التساؤل: ألم يعد بين رجالك وزعمائك من رشيد يدلك على المخرج من هذا البلاء الطام؟ ... أطاشت عقول ناسك، فلا تهتدي إلى النور، ولا تتفق على الحل السليم! ...
طالما زعم الفارغون من أدعياء البيان في لبنان أنه بلد الإشعاع، وطالما أعلنوا باللافتات الكبيرة ((أن لبنان دائما على حق)) في كل ما يأتي وما يذر ...
فأي نور ذلك الذي يعجز عن التخفيف من هذه الظلمات؟ ...
وأي حق في هذا التصرف الذي ينكره صغار الأطفال فضلا عن كبار الرجال! ...
يا بيروتنا الغالية ...
لا أريد أن أجاملك فأكتفي بالبكاء والنحيب عليك..
إن الكارثة لهائلة.. وإن ما يتوقع من كوارث وراءها لأهول وأعم ...