وبينما يستعلن فيك كل هذا الفجور والثبور، بوقاحة لا تعرف السدود ولا الحدود، يقف الحق يتيما بإزاء ذلك، فيوشك ألاَّ يجد وسيلة للتعبير عن نفسه إلا في أضيق نطاق وأخفض صوت.. ولولا قلة _ لا تكاد ترى _ من الثابتين منك على سبيل المؤمنين، لم يجد مسمعا يصغي إليه، ولا ضمير ايحرص عليه.. ومع ذلك لا تسلم هذه القلة الراشدة من مفتريات الكثرة الزائفة، فتقذفها بكل منكر من التّهم، لِتُحكم الحصار على عقول العامة فلا تعرف إلى نور الحقيقة سبيلا ...
أبكل هذا الإصرار على الكبائر يا بيروت تبارزين مولاك، الذي أحاطك بأصناف النعم، وساق إليك من اليسر ما تغبطك عليه الأمم؟ .. ولو قد نفعك علمك الذي تدَّعين، لأيقنت أن العذاب المهين أقل ما تستحقين، ولولا تلك البقية من الركّع السجود، لما تأخر يومك الموعود، ولكنت من زمان خارج نطاق الوجود ...
إن مأساتك لَمُروّعة مفتتة للقلوب.. ولكني أخشى أن تكون الحلقة الأولى في سلسة طويلة من أشباهها أو أكبر منها..
لكأني استشف من خلل الغيب مصاير دامية كمصيرك الرهيب، تلف بأعاصيرها ربوعا من وطني الكبير الحائر، تسللت إليها أفانين من سموم حياتك الصاخبة بالخلاعة والترف والتكالب على الشهوات فهي اليوم تمضي مسرعة في الطريق نفسه الذي تسلكين، لتنتهي إلى الهاوية نفسها التي فيها تتخبطين ...
لن ينفعك يا بيروت في محنتك المرعبة أسطول يهبط عليك من الغرب، ولا صواريخ يمطرك بها الشرق، ولا مؤتمرون يتباكون عليك، وسكاكينهم تعمل في أحشائك، يعلنون التهادن فيما بينهم، ليعودوا إلى الفتنة أوفر استعدادا، وأشد عنادا ...