تعتبر نظرية الالتزام أهم النظريات الفقهية في التقنينات الغربية جميعها، والناظر في الفقه الغربي وفي التقنينات جميعها يستدل من العناية الكلية بها على ما لها من شأن وخطر، فهي من القانون المدني بل من القانون عامة بمثابة العمود الفقري من الجسم، وهي في نظرهم أصلح النظريات القانونية ميداناً للتفكير وأفسحها مجالا للتعميم وأخصبها تربة لا نبات القواعد العامة، ويرونها بأنها أولى النظريات قابلية للتوحيد في شرائع الأمم المختلفة ولذلك يجعلونها الأصل الذي يتفرع عنه القانون المدني، فإذا ظهر فسادها وعدم صلاحها تبين بوضوح فساد جميع التقنينات التي بنيت عليها، وظهر فساد جميع القوانين المتفرعة عنها ولا سيّما القانون عنها ولا سيّما القانون المدني الذي هو في حقيقته نظرية الالتزام وفروعها، والناظر في هذه النظرية يجد أنها كانت منذ عهد الرومان وأن جميع التقنينات نقلتها عن الرومان واستعملتها في أول الأمر دون تغيير يذكر، لكن لما بدأت مشاكل الحياة تتجدد ظهر فساد هذه النظرية للذين نقلوها وبرز لهم عدم صلاحيتها فاعتبروا هذا الفساد قصوراً عن الإحاطة بالمشكلات، وأخذوا يغيرونها زاعمين أنها تتطور.
والحقيقة أن هناك عوامل متعددة أبرزت فساد النظرية وأثرت عليها حتى تغيرت كثيراً، وتبدلت على مختلف العصور، فالنظريات الاشتراكية التي ظهرت في أوربا قبل ظهور المبدأ الشيوعي أظهرت عدم صلاحية نظرية الالتزام، فاضطر الفقهاء لأن يغيروا نظرتهم للالتزام، فعقد العمل قد أدخلت عليه قواعد وأحكام تهدف إلى حماية العمال وإلى إعطائهم من الحقوق ما لم يكن لهم من قبل كحرية الاجتماع وحق تكوين النقابات وحق الإضراب، ونص نظرية الالتزام الرومانية لا يبيح إحداث مثل هذه القواعد، ولا يبيح مثل هذه الحقوق.
ونظرية العقد ذاتها كانت قوة الالتزام فيها تبنى على إرادة الشخص فصارت تبنى على التضامن في الجماعة أكثر مما تقوم على إرادة الفرد.