وقوله {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ..} الموصول منصوب بدلا من الذين أحسنوا. وصيغة الاستقبال في صلته للدلالة على تجدد الاجتناب واستمراره. أو منصوب بإضمار أعني، أو هو مرفوع خبرا لمبتدأ محذوف أي هم الذين يجتنبون. وقوله:{وَالْفَوَاحِشَ} من عطف الخاص على العام. والاستثناء في قوله:{إِلاَّ اللَّمَم} منقطع لأنه ليس قبله ما يندرج فيه. وقوله {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} تعليل لاستثناء اللمم وتنبيه على أن إخراجه عن حكم المؤاخذة ليس لخلوه عن الذنب في نفسه بل لسعة المغفرة الربانية. وقيل إنما عقب وعيد المسيئين ووعد المحسنين بهذا لئلا ييأس صاحب الكبيرة من رحمة الله تعالى. وقوله:{هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} استئناف مقرر لشمول علمه وإحاطته سبحانه بأحوال عباده، ووقت إيجادهم من التراب، ووقت استتارهم في بطون أمهاتهم، وأفعل التفضيل فيه لا مانع أن يكون على بابه. والفاء في قوله {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُم} فصيحة. وقوله {هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} استئناف مقرر للنهي.
المعنى الإجمالي:
المعنى الإجمالي: ولله كل كائن في العالم العلوي والسفلي خلقاً وملكاً، فيعلم ضلال من ضل واهتداء من اهتدى، ويحفظهما ليكافئ الذين ارتكبوا القبائح بما يسود وجوههم، ويكافئ الذين فعلوا الجميل بالجنة، الذين يتركون عظائم الذنوب، وما اشتد قبحه منها إلا ما قلّ وصغر. إن سيدك ومالكك ومدبر أمرك عظيم التجاوز عن هفوات عباده، هو أعلم بكم وقت إيجادكم من التراب ووقت استتاركم في بطون أمهاتكم، وإذا كان الأمر كذلك فلا تمدحوا أنفسكم على سبيل الإعجاب بها. هو أعلم بمن خاف ربه، وعمل بطاعته، فاتخذ لنفسه وقاية من عقابه.