إن الضمير الإنساني يطالب المسلمين بإقامة أنموذج صحيح للمجتمع الذي يستطيع الإسلام أن يبنيه بإمكاناته الخاصة وحدها، فيكون مجتمعاً ربانياً يحكمه نظام الإسلام في كل شيء، دون أن يسمح للتيارات الدخيلة بأي تأثير في خصائصه العليا، حتى يكون حجة الإسلام على العالم، الذي مزقته التجارب البشرية المقطوعة عن طريق الوحي..
وما لم يتفق المسلمون على هذه الحقيقة وما لم يتقدم من الشعوب الإسلامية من يحقق هذا الأنموذج، فسيظل كماخض الماء، لا يتجاوز حدود الأحلام.
المسجد الذي نريده:
أما المسجد الأنموذج الذي تتطلع إليه أبصار المفكرين فهو الذي توافرت فيه كل الوسائل المساعدة على استعادة منزلته وتحقيق رسالته التي أنشئ لها من أول يوم أول مسجد أسس على التقوى.
ولن يكون المسجد كذلك إذا قصرنا العناية فيه على الشكل دون المضمون.. أو على المضمون دون الشكل.
إن الذي قدح فكرة إصلاح المسجد في قلوب المصلحين هو شعورهم بحاجة المجتمع العميقة إلى مؤثرات هذه المؤسسة الإسلامية الهامة، ولابد في تحقيق هذه الغاية من مراعاة التطور الاجتماعي الذي تعيشه الإنسانية في كل مكان وزمان.
ومن موحيات ذلك التطور أن يكون المسجد وحدة اجتماعية متكاملة، تؤمّن لمرتاديها كل متطلباتهم الروحية والعقلية، وحين نفعل ذلك لن نبتعد كثيراً عن أوضاع هذه المؤسسات في ظل الخلافة العثمانية أو عهد المماليك مثلا، ذلك لأن أولئك الذين أنشئوا تلك المساجد، وأحاطوها بالمرافق الاجتماعية المختلفة، إنما صنعوا ذلك بحافز من الوعي التام لرسالة المسجد في نطاق الحاجات الاجتماعية الطارئة..
وعلى هذا فالمسجد الذي يراد أن تتمثل فيه الوحدة الاجتماعية المتكاملة هو الذي يجد فيه المصلون على اختلاف مستوياتهم كل الفرص التي يستطيع توفيرها ناد مزود بكل المرغبات الصالحة...