لقد تكررت المؤتمرات التي عقدت لعرض أحوال المسلمين، ولدراسة أوضاعهم على مختلف المستويات، وإن في مقرراتها الكثير من العلم والخير... غير أني أتطلع في كل اتجاه لأرى آثارها العملية فلا أكاد ألمح شيئا... ولا جرم أن اجتماعا يعقد لتصحيح أوضاع المسجد والمسجديين جدير بكل تقدير واهتمام، إذا كان من شأنه تغيير هذا الواقع الذي انتهى إليه المسجد وأهله... ولكن ما السبيل إلى ذلك وهو الذي لا سبيل إليه إلا عن طريق الذين لا يريدون هذا التغيير...
في اعتقادي أن أعظم خدمة نقدمها لإحياء رسالة المسجد هو أن نبدأ هذا التصحيح في مساجد هذه المملكة أولا... فإذا نجحت المحاولة هنا كانت الخطوة التالية إقناع الأقطار الإسلامية الأخرى بنقل هذه التجربة إلى مساجدها.
إن المملكة السعودية هي البيئة الإسلامية المتميزة، فقضاؤها إسلامي صرف، وتعليمها لا يزال مرتبطاً بأهداف الإسلام، ونشاطها الإسلامي لا يكاد يفوته جانب من أرض المسلمين، وفي إمكاناتها المادية ولله الحمد ضمان لإنجاح أي مشروع إسلامي من هذا النوع.. فلتكن هي المنطلق الأول لتحقيق الأنموذج الأفضل الذي تتطلع إليه أبصار المصلحين وبصائرهم...
لقد كتب الكاتبون، وألّف المؤلفون، وخطب المحاضرون، وتغنى الشعراء الإسلاميون بعظمات الإسلام وإمكاناته العجيبة لإصلاح الإنسان، وبناء الأوطان وإقامة الحكم الصالح، وإعطاء البشرية أفضل الأنظمة في السياسة والاقتصاد والعدالة... ولكن شيئاً من ذلك لم يترجم إلى نطاق العمل المنظور خارج هذه البلاد حتى الآن، لذلك ستظل هذه الكنوز حديثاً ماتعاً يسلي القارئ والسامع، على حين أن المسلمي، ن ومن ورائهم العالم كله يظلون أحوج ما يكونون إلى رؤية هذه الكنوز بارزة في متناول الأيدي والأبصار، فمتى يتاح لهذه الحقائق الإسلامية أن تحتل مكانها في عالم الواقع، ليقتنع العالم أن لدينا ما نقدمه لإنقاذه من مهامه الضياع.