للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- أشرت إلى جيبي التي كانت على صدري، كانت خواء مطبقاً بعضها على بعض كأن لم تغن قبل قليل بأوراق ثمينة لم تعرفها جيب عاقل قط.

- أصلحك الله! لقد حذرناك، ولكنك ركبت رأسك واتبعت هواك، وعلى كل حال فنعم الله علينا كثيرة لا تنفذ، ولقد كنا من قبل أن نعرف هذا المال في نعمة، ومن يدري؟! فلربما كان في ذلك المال شر لنا فصرفه الله عنا، فارض بما قضى الله وقدّر، ولا تأس على ما فات، هاهو العشاء محضر فتفضل.

- الحمد لله على كل حال وأسأله تعالى الخير لنا فيما يختار، أما العشاء فأنا متعب وأريد أن أستريح قليلا.

وما كدت أضع رأسي على الوسادة حتى سمعت صوتاً غريباً يرن في أرجاء الغرفة ويقول: إنني أنا المال، أتحدث إليك من أرجاء العالم كلها، ومن أنحاء الأرض جميعاً، إنني أحب الحرية، أحب أن أسيح في الأرض، وأن أنطلق من يد إلى يد، ومن صاحب إلى صاحب أحمل البر والخير، وأنقل الإخاء والرخاء، لا أحب أن يستعبدني إنسان، ولا أن يحبسني مكان، لقد خلقني الله فتنة للناس ومحنة، وتجربة كبرى لهم واختبارا، فكم من أناس يراهم الناس شامخة أنوفهم على ارتفاع ثلاثين أو أربعين ألف قدم، سرعان ما يخرون إلى الأرض يمرغون جباههم بالثرى وأنوفهم بالرغام، حينما يرونني مقبلا من بعيد أو بارقة في الظلام.

وكم من فقير كان يلبس ثياب التقوى ويدعو إلى الدين في حرارة قول وصدق يقين، ثم ساقني الله إليه فنسي الناس ونسي ما كان يعظ به الناس، وتلهى عن حق العباد وحق الله فيما وهب له الله، ثم اتبع خطوات الشيطان وكان عاقبة أمره غيا.

وكم من قاض جلس يحكم بين الناس فكان العدل هو الذي يقضي، وكان الحق هو الذي يحكم، ثم طرقت _ أنا المال _ عليه الأبواب الخلفية، فانفتحت فرجة صغيرة تسللت منها على شيء من الخوف وقليل ثقة واطمئنان ثم كثرت زياراتي، ونجحت وساطاتي وتفتحت ليّ الأبواب.