وكم من وزير وموظف كبير تولى مصالح الناس وتصريف شؤون الدولة، جلست _أنا المال _ في كفة ميزان، وجلست مصالح الناس ومصالح الدولة في الكفة الأخرى، فوضع يده في كفتي فثقلت ورجحت، وأعرض عن الأخرى فخفت وشالت.
وكم صيحة صحت يا حسرة على المسلمين حين رأيت ثلة من زعمائهم وفئة من علمائهم لا يفتر لهم لسان عن ذكري، ولا يطيب لهم حديث غيري وليس لهم مشغلة إلا أياي.
قليل قليل جداً أولئك الذين جئتهم فظلت أقدامهم ثابتة لا تزل، وظلت عيونهم مبصرة لا تعشو، وظلت قلوبهم مضيئة لا تلتف بضباب، ولا يغفلها سحاب.
ولقد كرمني الله فجعلني من هذه القواعد التي يقوم عليها المجتمع، ومن هذه الأشياء التي تصلح بها أمور الناس، وأولئك الذين يرمونني بالإثم، ويتهمونني بأنني مثير ضغائن وحروب بين أفراد وشعوب، ويجتهدون أن يقيموا مجتمعاً بدوني، وأن يبنوا أمة ليس لي فيها وجود، أولئك ساء ما يقولون، وضلة ما يحاولون، فأنا مطية ذلول يمتطيني صاحبي على طريق الخير إن كان من أهل الصلاح والبر، ويسوقني صاحبي على دروب الشر إن كان من أهل الفساد والضر.
وعلى رغم ما ألاقيه في هذا العالم من تكريم وتعظيم، فإن حياتي لا تخلو من أحزان، ومما يحزنني في هذه الحياة أن أناسا يجمعونني على غير هدى وإبصار، وأن قوماً يدخرونني ولا يدرون فيما يكون هذا الادخار، وأن أيديا طائشة كثيرة تنفقني على غير حاجة ولا رشدة.
ليت الذين يجمعونني يجمعون كما تجمع أريها النحل، وليت الذين يدخرونني يدخرون لما تدخر له النمل، وليت الذين ينفقونني ينفقون كما أمر الله وفي سبيل الله وكيما ينتفع الناس بي في هذه الحياة.
ولقد نسيت أن أبدي لك رأيي فيما قاله بعض الشعراء ف إنفاق المال، كقول هذا العكلي الذي ذكرت.