للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأفاضل المحترمون: _ لما شاء الله تعالى أن ينزل من السماء نوره، وقرن هذا النور بالرسول صلى الله عليه وسلم حاولت هوام الظلام أن تطفي نور الله هذا، فتشعبت جوانب كيدهم منقضة جميعها على النور البازغ حديثاً في شخص الرسول والقلة التي لا تملك من المنعة شيئاً للدفاع عن نفسها وكان من أبرز جوانب هذه المعركة عنجهية الجاهلية، والتي انحدرت متعاقبة منذ القرون الأولى، فكان أول اصطدامها بضدها في عصر نوح عليه السلام، وظل شرها المميز يتوارث ويظهر مع رسالة كل رسول، حتى أتى الرسول الخاتم صلوات الله عليه، فأرادت أن تعمل معه عملها الذي تعودته مع غيره فكان أن لقيت حتفها تماماً على يد نبي الإسلام، بما نزل عليه من وحي قاصم لكل عتل غاشم، وما دمنا قد اكتفينا بضرب المثل بأول الرسل وبآخرهم عليهم جميعاً سلام الله، فلنذكر شيئاً مما وقع لكليهما في ذلك، بادئين بنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم لا تحيزا منا ولا تمييزا، وإنما المرسل سبحانه هو الذي قال: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} ، فإنه وإن كان نبينا هو الآخر في ترتيب الأزمنة، لكنه الأول في ترتيب المنزلة، فقد وضعه القرآن قبلهم جميعاً بقوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} فبدأ سبحانه الخطاب به قبل نوح {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} ثم بعد ذلك ذكر نوحاً والنبيين بعده، وفي قوله سبحانه {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} فالآية بدأت بالنبيين عامة، وعند الترتيب وضعت نبينا في أول الدرجات قبل نوح ومن بعده {وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} وشمل ذلك رسل أولي العزم، وفي القرآن أمر الرسول أن يقول: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} ، وأمر نوحا أن يقول: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ، ولقد عمدت إلى توضيح هذا لتوهم البعض بأننا نميز رسولنا