ثانيها: تنوع مراتبه في الوضوح والخفاء [١١] ، فهو أسلوب يظهر فيه التفاوت على نحو ملموس، فليست درجة الوضوح فيه واحدة، وهذا التفاوت مناط البلاغة وعماد البراعة!!.
ثالثها: القول بمجازيته - في رأي ابن الأثير -؛ فيكون دخوله في البيان بطريق الأصالة، لا بطريق التبعية للاستعارة والتطفل عليها.
وحتى على القول المشهور بحقيقيته فإن القيمة الذاتية للتشبيه كصورة بيانية قد تأكدت وتقررت منذ أمد بعيد؛ مما جعل العلوي المتوفى ٧٤٩هـ في كتابه الطراز يقرر صراحة:"كونه معدودا في علوم البلاغة؛ لما فيه من الدقة واللطافة، ولما يكتسب به اللفظ من الرونق والرشاقة، ولاشتماله على إخراج الخفيّ إلى الجليّ، وإدنائه البعيد من القريب، فأما كونه معدودا في المجاز أو غير معدود فالأمر فيه قريب بعد كونه من أبلغ قواعد البلاغة، وليس يتعلق به كبير فائدة [١٢] .."، ذلك أنه باب عظيم من أبواب البلاغة الساحرة، ومسلك رائع للأدباء، منه يلجون في سائر البقاع والأزمنة، وأساس متين للاستعارة التي هي عماد الجمال والكمال في الأساليب!!.
وأسلوب توفرت له هذه اللطائف وتلك المقومات لجدير بأن يكون مقصدا أساسيا من مقاصد البيان، وأصلا عظيما من أصوله!!.
ومما تقدم تدرك أن أصول فنّ البيان عند جمهرة البيانيين أربعة:
منها أصلان ذاتيان: وهما المجاز والكناية، وأصل واحد وسيلة وهو التشبيه، وواحد وهو جزء من أصل وهو الاستعارة.
وبعض البيانيين يعتبر مباحث البيان أربعة:"التشبيه، وليس من أقسام اللفظ، والحقيقة والمجاز اللفظيان، والكناية، والثلاثة من أقسام اللفظ"[١٣] .