ويقول جعفر بن ربيعة: قلت لعراك بن مالك الغفاري: من أفقه أهل المدينة؟ قال: أما أعلمهم بقضايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضايا أبي بكر وعمر وعثمان، وأفقههم وأعلمهم علما بما مضى من أمر الناس فسعيد بن المسيب.
ويقول الزهري: العلماء أربعة: سعيد بن المسيب بالمدينة، والشعبي بالكوفة، والحسن البصري بالبصرة، ومكحول بالشام، ويقول أيضا: أربعة من قريش وجدتهم بجورا وذكر ابن المسيب أولهم، وقال الزناد بن الأعرج مثل ذلك.
وما أكثر تزكيات العلماء والأئمة ممن شاهدوه وأخذوا عنه، أو من أخذوا عنهم، أو من يليهم غير أنهم ينقلون في هذا المقام ما يفيد ببعض الاختلاف بما لا يخلو عن تقدير إقليمي، قال الإمام أبو عبد الله بن خفيف الشيرازي [٢] : اختلف الناس في أفضل التابعين، فأهل المدينة يقولون سعيد بن المسيب، وأهل البصرة يقولون الحسن البصري، وأهل الكوفة يقولون أويس القرني [٣] ، فأنت ترى كل إقليم يفضل بحسب ما لمس وانتفع، ولكن رأي أهل الكوفة يستحسنه ابن الصلاح ويصححه العراقي، لما روى مسلم في صحيحه من حديث عمر ابن الخطاب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن خير التابعين رجل يقال له أويس..." الحديث. قال العراقي: إن هذا الحديث قاطع للنزاع، وأما تفضيل أحمد لابن المسيب وغيره فلعله لم يبلغه الحديث أو لم يصح عنده، أو أراد الأفضلية في العلم لا الخيرية، ولا تلازم بين الأمرين.
وهو دفاع مشكور عن أحمد غير أن قوله إن الحديث لعله لم يبلغه أو لم يصح عنده غير سليم، فإنه أخرجه في مسنده من الطريق التي أخرجه مسلم منها، وله فيه رواية أخرى تنص على أن من خير التابعين أويس [٤] ، فلم يبق إلا أن يكون تفضيل من فضل سعيدا بحسب العلم ونشر السنة مع مراعاة الرواية الثانية "من خير التابعين".