للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مهما يكن فإن حسبنا في هذه المحاولة أن نعرض في تاريخ هذا العبقري وأمثاله ما هو جدير أن يحقق الأسوة، ويثير الرغبة، ويكبت الرعونة في نفوس طالما ألحت عليها الشهوات، وكبت بها المطامع والنزوات والله المستعان.

ولد هذا الإمام الكريم لسنتين من خلافة عمر بن الخطاب، من أب وجد صحابيين أدركا رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى سعيد عن أبيه المباشر منهما وهو المسيب ابن حزن، وكان عهد عمر بن الخطاب عهدا يتسم بالدين في أبهى حلله وفي أبرز صوره يتفاضل الناس فيه بالعلم النافع والعمل الصالح، ويدركون مآربهم من طريق الدين، ولهذا كان الناس على دين ملوكهم يدركون ما عندهم بما يحبون، وقد عرف عن عمر أنه يقدم الناس بالعلم إلى حد عجيب، فهو يقدم مثل عبد الله بن عباس على كبار الصحابة لذكائه وغزارة علمه، وهو يحتضن عبد الله بن مسعود ويرجع إليه في مشاكله، وهو يأخذ عن علي ويرجع إلى علمه ومعرفته، كان ذلك كالغريزة فيه، والطبع الذي لا تكلف فيه، وهذا لأنه بلغ في العلم مبلغا قلّ من يدانيه حتى قال مسروق بن الأجدع: انتهى العلم إلى ستة من الصحابة: عمر وعلي وعبد الله وأبي بن كعب وأبي الدرداء وزيد بن ثابت.

وكانت المدينة تموج في خلافته بالعلماء من إخوانه الذين كان يدفعهم إلى نفع المسلمين بما عندهم، ولا يأخذهم بهوادة في ذلك ولا لين.