وفي هذا الطور ظهرت شخصيته الخلقية في هذه الشخصية العلمية، فأقام على عبادة الله وعرف عن الدنيا ومظاهرها إلا ما يقيم به أوده، ويصون به وجهه، وقد أثمر ذلك فيه الثبات على الحق والمضي فيما يعتقد أنه الحق ولو كان السيف مصلتا عليه، ومهما أصيب في دنياه إيثارا لسلامة الدين، وقد تجلى ذلك في خلافة عبد الملك بن مروان حين رفض البيعة لابنيه الوليد وهشام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة كما تقدمت الإشارة، كما تجلى في رفضه لتزويج بنته لولي العهد الوليد بن عبد الملك مع أنهم عذبوه كذلك وطافوا به في أسواق المدينة، وهل كان مثل سعيد وهو من هو في ذلك الدين والورع يقبل أن يصاهر هؤلاء، وهو يعاديهم وينكر عليهم، إذن لتسرب إليه التحليل من قيود التقوى والورع، وهو عليها أحرص ما يكون، ولعل لنا بعد ذلك أن نجمل القول فيما تجلى فيه من صفات تجمع أمره كله وهي صفات ثلاث.. العلم الفياض، والحرص البالغ على الطاعة مع الإعراض عن المظاهر الكاذبة، والصبر على الحق مع الصبر على ما يصيبه في سبيله!