أولهما: عهد الطلب والتعلم الذي تمثل في تردده على حلقات العلم، وأخذه عن الصحابة ما تسنى له مما أخذوه عن النبي صلى الله عليه وسلم ليروي عنهم بالسند المتصل غالبا وما كان أكثرهم بالمدينة وإن كان بعضهم تنقل في البلاد منذ عهد الخليفة الثالث رضي الله عنه، ولكنه بقي في المدينة منهم الكثير وفيهم كثير من البدريين رضوان الله عليهم، وقد رأيت في صدر هذا المقال أسماء لبعض من نقل عنهم سعيد، ولهذا لم ير سعيد ابن المسيب أن يرحل في طلب العلم، وهو في أول مركز للعلم وأهم موطن له ولقد كان يزكي انتفاعه بهؤلاء ويظهر ثمرة الإفادة منهم ذلك الاستعداد الخصيب مع ذلك الإقبال العجيب، فتجلى نضجه المبكر وظهر فضله غير متأخر حتى كان يفتي والصحابة شهود، وكانت تعجبهم فتاواه ويقرونها بل يباركونها.
وثاني العهدين لسعيد شأنه منذ ظهر فضله، ولمس في نفسه أنه مطلوب لا طالب، وأن نقله للعلم أول واجب، لا فكاك له منه ولا مندوحة عنه لا يسأل على ذلك أجرا، فأسند ما سمعه من الصحابة إلى من نقلوه عنه وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يرسل أحيانا بعض الأحاديث [٥] ، وكانت مراسيله في الجملة مقبولة لأنه كان لا يرسل إلا عن الثقات، ولأنها وجدت مسندة في بعض الروايات عنه وليس تفصيل ذلك من همنا اليوم [٦] .