وقوله:{فَالْتَقَى الْمَاءُ} على قراءة الجمهور بإفراد الماء لإرادة الجنس، كأنه قيل فالتقى ماء السماء وماء الأرض، ولإفادة تحقيق أن التقاء الماءين لم يكن بطريق المجاورة والتقارب بل بطريق الاختلاط والاتحاد، ومن قرأ {الماءان} بالتثنية فلاختلاف النوعين، والضمير المنصوب في {وحملناه} لنوح عليه السلام، وقوله:{تَجْرِي} في محل جر صفة لسفينة المكنى عنها بذات ألواح ودسر، وجمع الأعين في قوله:{بِأَعْيُنِنَا} لإضافته إلى {نا} وقد لوحظ أنه إذا وردت العين أو اليد بلفظ المفرد أضيفت إلى ياء المتكلم أو ضمير الواحد فقط، كقوله:{وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} وكذلك إذا وردت بلفظ التثنية، وأما إذا وردت بلفظ الجمع فإنها لابد أن تكون مضافة إلى "نا" التي هي للجمع أو للواحد المعظم كما في هذا المقام، فلا تدل على إثبات أكثر من عينين لله عز وجل لأن الجمع فيها للتعظيم ومناسبة الضمير، والثابت لله تعالى عينان بلا تشبيه ولا تمثيل ولا تكييف ولا تأويل.
وانتصب جزاء في قوله:{جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} بفعل مقدر أي أغرقوا جزاء وانتصارا، وقوله:{لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} يعني نوحا عليه السلام، والتعبير بكفر لبيان أنه كان نعمة ساقها الله لهم فجحدوها، ومن قرأ {كفر} بالبناء للمعلوم فتقديره أغرقوا عقابا للكافرين.
وقوله:{وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} الضمير المنصوب في تركناها قيل للسفينة وقيل للفعلة، ومدكر مبتدأ وخبره محذوف وتقديره فهل مدكر موجود، والمراد من الاستفهام التوبيخ على عدم الادكار مع ظهور أسبابه.
وقوله:{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} الاستفهام فيه للتقرير والتعظيم والتعجب، وكيف خبر كان إن كانت ناقصة، وأما إذا كانت تامة فهي في موضع نصب على الحال.