يعني أنا هذا وهذا القول الأخير حكاه البخارى عن معمر بن المثنى أبي عبيدة قاله ابن كثير. وعلى كل حال فعامة المفسرين على أن ذلك الكتاب بمعنى هذا الكتاب. قوله تعالى:{لا رَيْبَ فِيهِ} هذه نكرة في سياق النفي ركبت مع لا فبنيت على الفتح. والنكرة إذا كانت كذلك فهي نص في العموم كما تقرر في علم الأصول, و {لا} هذه التي هي نص في العموم هي المعروفة عند النحويين بـ (لا) التي لنفى الجنس, أما (لا) العاملة عمل ليس فهي ظاهرة في العموم لا نص فيه, وعليه فالآية نص في نفي كل فرد من أفراد الريب عن هذا القرآن العظيم, وقد جاء في آيات أخر ما يدل على وجود الريب فيه لبعض من الناس كالكفار الشاكين كقوله تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} , وكقوله:{وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} , وكقوله:{بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ} . ووجه الجمع في ذلك أن القرآن بالغ من وضوح الأدلة وظهور المعجزة ما ينفي تطرق أي ريب إليه, وريب الكفار فيه إنما هو لعمى بصائرهم, كما بينه بقوله تعالى:{أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} فصرح بأن من لا يعلم أنه الحق أن ذلك إنما جاءه من قِبل عَماه ومعلوم أن عدم رؤية الأعمى للشمس لا ينافي كونها لا ريب فيها لظهورها:
فلا غرو أن يرتاب والصبح مسفر
إذا لم يكن للمرء عين صحيحة
وأجاب بعض العلماء بأن قوله لا ريب فيه خبر أريد به الإنشاء أي لا ترتابوا فيه وعليه فلا إشكال.