للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله تعالى: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} . خصص في هدى هذا الكتاب بالمتقين, وقد جاء في آية أخرى ما يدل على أن هداه عام لجميع الناس, وهي قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ} الآية. ووجه الجمع بينهما أن الهدى يستعمل في القرآن استعمالين أحدهما عام والثاني خاص. أما الهدى العام فمعناه إبانة طريق الحق وإيضاح المحجة سواء سلكها المبين له أم لا ومنه بهذا المعنى قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} أي بينا لهم طريق الحق على لسان نبينا صالح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام مع أنهم لم يسلكوها بدليل قوله عز وجل: {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} , ومنه أيضا قوله تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} , أي بينا له طريق الخير والشر بدليل قوله: {إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} . وأما الهدى الخاص فهو تفضل الله بالتوفيق على العبد ومنه بهذا المعنى قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} الآية. وقوله: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} , فإذا علمت ذلك فاعلم أن الهدى الخاص بالمتقين هو الهدى الخاص وهو التفضل بالتوفيق عليهم والهدى العام للناس هو الهدى العام, وهو إبانة الطريق وإيضاح المحجة, وبهذا يرتفع الإشكال أيضا بين قوله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} مع قوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} , لأن الهدى المنفي عنه صلى الله عليه وسلم هو الهدى الخاص لأن التوفيق بيد الله وحده ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا, والهدى المثبت له هو الهدى العام الذي هو إبانة الطريق وقد بينها صلى الله عليه وسلم حتى تركها محجة بيضاء ليلها كنهارها, والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ