ولقد عرف الصدر الأول من هذه الأمة عظمة القرآن فاتخذوه منهاج حياة يقوّمون به أخلاقهم، ويؤدبون أبناءهم، وينظمون دولتهم، ويوجهون طاقاتهم.. فأعطاهم من مردود المجد والعزة والقيادة العالمية خلال أقل من قرن ما لم تبلغه أمة قط سابقا ولا لاحقا خلال القرون.. وقد استطاعت تعاليم هذا الكتاب المعجز أن تفتت الحواجز ما بين الشعوب حتى ردتهم إلى الأخوة التي نسوها في غمار الجهل والمظالم.. فإذا هم أمة واحدة ربها واحد وقائدها واحد ونظامها واحد ولغتها واحدة، هي لغة هذا الكتاب العظيم، آثرتها على ألسنتها الموروثة، لأنها لغة نبيها ووسيلتها إلى فهم شريعته الحكيمة.. وهكذا تسابق أولو المواهب من أقصى الصين إلى غرب أوربة لإتقانها والانطباع ببيانها، فكانت ملايين المؤلفات التي وضعت بأقلام عربية لم تمت من قبل إلى العرب بأدنى سبب.. ولو استمرت المسيرة في سبيلها السليم لالتقت القارات كلها على هذه الوحدة العجيبة، ولكن كواكب العرب تعبت من أعباء المجد فانصرفوا عن هدفهم الأعلى ليشاركوا الغافلين في ملاهيهم المتبرة.. ثم لم يلبثوا أن نسوا أنفسهم ورسالتهم، فإذا هم محطمو القوى مسلوبو الأوطان قد اصطلح عليهم كل شيء، وسلط عليهم حتى من لا يستطيع دفعا عن نفسه..