والأدب الشعبي قديم في كلام العرب حتى الجاهلية لم تفقده، لأن ألسنة القبائل لم تكن على مستوى واحد من حيث الصحة والجمال.. فكان منها اللغات العالية التي بها نزل القرآن، وعليها تنهض علوم العربية التي ركزت فيما بعد، وكان منها لغات مشوشة لم يعن بها رواة اللغة ولا مدونوها بعد الإسلام، ولم يصلنا منها سوى النزر من شواهد احتفظ بها علماء اللغة للدلالة على اللغات الشاذة أو الضعيفة.
وبنزول القرآن العظيم وإقبال العرب عليه قلّ استعمال تلك اللغات النوادر إلا في سياق التخاطب بين أبنائها وإلا في الأمثال التي ألِف العرب روايتها دون تعديل ولو اعتورتها الأغاليط، ثم تسلل الضعف إلى سلائق أبناء الفصحاء مع تفاقم الاختلاط بشعوب البلاد المفتوحة، مما اضطر العلماء إلى تدارك ذلك الفساد بوضع القواعد وإقامة الشواهد.. ولكن طبيعة التطور أدت إلى تشقيق العربية، فكان فيها فيما بعد لغة الأدب المحتفظة بخصائصها، وكان منها لغة العامة التي شابها اللحن وكثرت فيها الكلمات الدخيلة، ثم انتهت إلى أن كونت لنفسها ما يسمونه اليوم بالأدب الشعبي.. وهو طراز من الكلام كان من آثاره البارزة خلخلة الكيان العربي، إذ جعل لكل جماعة لسانها الخاص، بحيث لا يكاد فريق يفهم لغة فريق، إلا إذا عمد إلى اللغة الجامعة الأصيلة، التي لم يعد يحسنها إلا خواص المتعلمين.. ولا عجب فالسوقية في كل إقليم مزيج من العربية وما سبقها من لغات محلية أو غازية، وبما أن لكل إقليم ماضيه التاريخي الخاص كان لكل عامية لهجاتها ومفرداتها الخاصة أيضا.. وفي مستطاع كل منا أن يلمس هذا الواقع من خلال سماعه لهجات العرب الوافدين إلى موسم الحج من مختلف أقطارهم ... وما أظن عربيا منا مهما تبلغ معرفته باللهجات وتطورها بقادر على أن يفهم لهجة مغربي أو جزائري أو حتى يماني من سكان المناطق النائية ... فإذا نحن رحنا نتتبع نصوص هذه الحكايات أو المنظومات الشعبية في بلد عربي لم