وعثرت قدمه وكانت الأرض يقظة تريق [٢٢] نطف [٢٣] الكرى من الجفون، وجدعت أنوف رماحه، وطالما كانت شامخة بالمنى أو راعفة [٢٤] بالمنون، وأضحت الأرض المقدسة الطاهرة وكانت الطامث، والرب المعبود الواحد وكان عندهم الثالث.
فبيوت الشرك مهدومة، ونيوب الكفر مهتومة [٢٥] ، وطوائفه المحامية مجتمعة على تسليم البلاد الحامية وشجعانه المتوافية، مذعنة ببذل المطامع الواقية لا يرون في ماء الحديد لهم عصرة [٢٦] ، ولا في فناء الأفنية لهم نصرة، وقد ضربت عليهم الذلة والمسكنة، وبدل الله مكان السيئة الحسنة، ونقل بيت عبادته من أيدي أصحاب المشأمة إلى أيدي أصحاب الميمنة.
نرى القاضي الفاضل يقابل بين السيف والعصا وبين المنى والمنون، وبين ذلة الكافرين وعزة المسلمين، ويجانس بين ((فرقه)) بمعنى جموعه و ((فرقا)) بمعنى خوفا، وبين العنان بمعنى اللجام، والعيان بمعنى الرؤية.
انظر إلى التشخيص لدى القاضي الفاضل، فقد جعل للسيوف والرماح عيونا تكسف بالهزيمة، وجعل لهذه العيون جفونا نامت وكانت تذود النوم من عيون المسلمين.
وانظر كيف جعل للسيوف أنوفا جدعت، وكانت تشمخ بالأمل وترعف بالدماء التي تقطر من أجساد المسلمين المجاهدين، ثم كيف جعل من الكفر شخصا له أنياب أصبحت مهتومة بعد الهزيمة.
ويبلغ القاضي الفاضل بتشخيصه الذروة في وصفه للمنجنيقات التي تتولى عقوبات الحصون، ومعاول النقابين التي تمضغ بأنيابها الصخور، ووصفه لحال الصخور والخراب الذي حل بها في فقرة أخرى من رسالته، كما استغل الكاتب فيها القرآن الكريم لنفسه استغلالا فنيا صرفا، فاتخذ منه صبغا من أجل الصياغة الفنية التي ألف بينها بطريقة فنية فاتنة.